أخبار الآن | لبنان – Reuters

يقف لبنان أمام أزمة كبيرة تتعلق في توفير الاحتياجات الرئيسية من الحبوب والقمح، وذلك بعدما تحطّمت صومعة الحبوب الرئيسية الوحيدة في لبنان، بسبب إنفجار مرفأ بيروت.

وقال مبعوث منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى لبنان ومدير ميناء طرابلس واستشاري في قطاع الحبوب في المنطقة لـ”رويترز” أنه “قبل أعوام، كانت خطط إنشاء صومعة أخرى في ميناء طرابلس قد أرجئت، بسبب نقص التمويل”.

وفي بيروت، فإنّ الصومعة التي دمّرها الإنفجار، كانت تتسع لنحو 120 ألف طن من الحبوب. وبذلك، فإن تدميرها وتعطل الميناء وهو المنفذ الرئيسي للواردات الغذائية، يعني أن المشترين سيضطرون للاعتماد على منشآت التخزين الخاصة الأصغر حجماً لمشترياتهم من القمح.

وواقعياً، فإنّ هذا الأمر يعزز بواعث القلق حيال إمدادات الغذاء في لبنان، الذي يربو عدد سكانه على 6 ملايين نسمة ويستورد جميع احتياجاته تقريباً من القمح.

إلى ذلك، قال موريس سعادة، مبعوث منظمة الأغذية والزراعة في لبنان لـ”رويترز” إن “هناك مواقع تخزين أصغر داخل مطاحن القطاع الخاص لأنه يتعين عليهم تخزين القمح قبل طحنه وتحويله إلى دقيق. فيما يتعلق بصوامع الحبوب، كانت تلك هي الصومعة الرئيسية الوحيدة”.

ووسط هذا الواقع، فإن لبنان يعاني من أزمة مالية واقتصادية حادّة أيضاً، وقال وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة أنّ “القدرة المالية للدولة اللبنانية والبنك المركزي محدودة جداً لمواجهة آثار الكارثة التي يقدر البعض أنها كبدت لبنان خسائر تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار”.

كذلك، فإنّ عدم وجود محطة مخصصة لحاويات الحبوب أو صوامع ومخازن كافية في ميناء طرابلس، يوضح نهجاً يتسم بتوفير الاحتياجات الآنية فقط في ما يتعلق بالأمن الغذائي. ومع هذا، فإن هذا الأمر يوضح أيضاً كيف تلجأ الدولة لخطط طارئة بدلاً من حلول طويلة الأمد لملفات رئيسية مثل توفير الطاقة الكهربائية وجمع القمامة، إذ تنتقل من حل سريع مؤقت إلى آخر منذ نهاية الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

ماذا عن المخزون الاستراتيجي من الحبوب؟

ووصف هشام حسنين، المستشار الإقليمي في قطاع الحبوب ومقره القاهرة الموقف بأنه “ينطوي على مخاطرة”. وستضطر المطاحن الخاصة في البلاد، والتي يبلغ عددها نحو 8 مطاحن في الإجمال، إلى توفير وسائل لوجستية جديدة بسرعة حتى يتسنى لسلسة الإمدادات أن تعمل بسلاسة، حتى بعد أن تعرض بعضها لأضرار جراء الانفجار. ويعني ذلك نقل القمح بشاحنات لمستودعات قريبة في وقت جرى فيه تحويل معظم حركة النقل المتجهة في الأصل لبيروت إلى طرابلس، وليس القمح فقط.

كذلك، فإنّ الحكومة اللبنانية لم تحتفظ بمخزونات استراتيجية من الحبوب، ويقول حسنين: “ما كان يحدث هو أن المطاحن الخاصة كانت تخزن ما ليس لديها مكان كاف له من الحبوب في مخازنها الخاصة في تلك الصومعة في بيروت ويأخذون منها عند الحاجة”. وأضاف: “كان هذا هو المخزون في البلاد وليس احتياطياً استراتيجياً للحكومة بالمعنى، وكان في العادة يكفي لفترة تتراوح بين شهرين ونصف إلى 3 أشهر من الاستهلاك”.

وكان وزير الاقتصاد قال أنّ “15 ألف طن فقط كانت مخزنة في الصومعة عندما ضرب الانفجار المرفأ، وإن لبنان يحتاج إلى مخزونات تكفي لـ3 أشهر تقريباً في أي وقت من الأوقات للوفاء بأغراض الأمن الغذائي”.

وإذا كانت تقديرات معدل الاستهلاك هي ما بين 35 ألفا و40 ألف طن شهرياً، فإن ذلك يعني الحاجة لـ100 ألف طن. ويستورد لبنان ما بين 90 و95% من استهلاكه من القمح، وأغلبه من منطقة البحر الأسود. أما أغلبية إنتاج القمح المحلي فهو من القمح الصلد وهو نوع مناسب أكثر لمنتجات المعكرونة.

والخميس، قال نعمة لـ”رويترز” أنّ “وزارته كانت تعتزم زيادة المخزون الاستراتيجي إلى نحو 40 ألف طن لكنها لم تتمكن بعد من ذلك”، مشيراً إلى أنه “رأى أن البلاد لم يكن لديها مخزون استراتيجي وقرر شراء كمية وحصل على موافقة مجلس الوزراء بالفعل، وكان المسؤولون في المراحل النهائية من المفاوضات لتنفيذ ذلك”.

ولفت إلى أنه “من حسن الحظ أن ذلك لم يكن قد تم بعد، وإلا كان قد تدمر هذا المخزون أيضاً في الانفجار”.

وحتى قبل الكارثة، تسبب تداعي قيمة العملة المحلية والارتفاع الحاد في الأسعار في انزلاق الكثيرين من اللبنانيين إلى الفقر، مما أثار مخاوف من انتشار الجوع على نطاق واسع.

وقالت متحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في بيان معد لإفادة بالأمم المتحدة في جنيف إن “برنامج الأغذية العالمي قلق من أن يؤدي الانفجار والأضرار التي لحقت بالمرفأ إلى تفاقم وضع الأمن الغذائي الصعب بالفعل، والذي تدهور بسبب الأزمة المالية الحادة في البلاد وجائحة كوفيد-19″، مشيرة إلى أنّ “البرنامج سيوزع منحاً غذائية على آلاف الأسر”.

لا تمويل.. لا صومعة ثانية

وجرى تحويل وجهة أغلب الشحنات إلى طرابلس في ظل استمرار عمليات تقييم الأضرار في مرفأ بيروت. وقال أحمد تامر مدير ميناء طرابلس لـ”رويترز” إن “المرفأ يستقبل بالفعل مليوني طن من السلع سنوياً، والطاقة الاستيعابية الإجمالية للمرفأ هي 5 ملايين طن”.

وأشار إلى أنه “بالنسبة للحبوب، فيمكن للمرفأ استقبال ما يتراوح بين 200 و250 ألف طن على الأكثر وهو الحد الأقصى للطاقة الاستيعابية في ذلك”، موضحاً أنه “يتعين أن تكون هناك خطة لوجيستية وإدارة ناجحة لسلاسل الإمداد”.

وسيجري نقل الحبوب التي يستقبلها ميناء طرابلس لمسافة نحو كيلومترين ليجري تخزينها في مطاحن قريبة إذ لا يضم هذا المرفأ صومعة. وكان من شأن الترتيبات اللوجستية أن تكون أبسط إذا كانت خطط بناء صومعة في ثاني أكبر الموانئ في البلاد قد تحققت قبل سنوات.

وقال تامر إن “خطط بناء صومعة للحبوب تبلغ طاقتها الاستيعابية نحو 150 ألف طن، جاءت في إطار مشروع أوسع نطاقاً لتطوير المرفأ ككل، لكنها تأجلت بسبب نقص التمويل”. وكانت الخطط التي تعود لـ3 سنوات مضت، تشمل أيضاً منطقة كاملة للخدمات اللوجستية حول الصومعة.

وقال تامر إنهم “أعدوا كل الخرائط والرسوم الهندسية المطلوبة وكل الدراسات لكن لم يكن هناك ما يكفي من التمويل”، مشيراً إلى أن “وزارة النقل تعيد النظر في المشروع حالياً”.

ولفت إلى أنه “من الممكن تنفيذ ذلك في أسرع وقت ممكن، وإعطاء المشروع أولوية لبنائه في وقت قياسي لمنح لبنان تأميناً استراتيجياً لاحتياجاته الغذائية”.

سحر أبكتني بيروت لكنّها ستعود بهمّة اللبنانيين

بحرقة تتحدث اللبنانية سحر، عن الدمار الذي حلّ بالعاصمة اللبناية بيروت جرّاء الإنفجار الضخم الذي دمّر مرفأ العاصمة وألحق أضراراً جسيمة بالمدينة وأحيائها.