أخبار الآن | الإمارات العربية المتحدة (الباحث والكاتب ماهر فرغلي)

القاعدة المعولمة تنتهي بلا رجعة

أين هو قائد القاعدة الغائب أيمن الظواهري؟ هل هو ميت أم على قيد الحياة؟ وهل لا يزال مهماً معرفة مكانه وحاله الآن؟ ماذا حدث للوعود التي قطعها بأن القاعدة هي “بنيان مرصوص“؟ لقد ناقشنا هذه الأسئلة الهامة مع  الباحث ماهر فرغلي، وهو خبير بارز في النتظيمات المتطرفة. لقد أخبرنا بأن الظواهري عمليا قد أنهى القاعدة المصدرة للإرهاب، وقدم لنا عشرة أسباب وراء ذلك.

القاعدة المعولمة في عهد الظواهري انتهت، والصعيد الواقعى والأيديولوجي يؤكد ذلك، خاصة أنّ الأيديولوجيا الملتبسة التي تم تأسيس التنظيم عليها، وهى الحرب الشاملة للعالم، جعلها تتحرك في مساحة رمادية، بين المحلى والعالمى، بين قتال العدو البعيد والقريب، وجاءت الظروف الواقعية التى أعقبت ما جرى بسوريا والعراق، لتحسم لدى بعض الفصائل خيارات أخرى، وكان هذا أشبه بعملية تفجر داخلى للانشقاقات داخل التنظيم.

إقرأ أيضاً: إلى أين يتجه تنظيم القاعدة بإخفاء وفاة الظواهري؟

معضلة القاعدة بعهد الظواهري لها عدة شواهد أولها عدم رضا قيادات مؤسسين عليه وعلى سياساته، ومنهم أبو الحارث المصري (أسامة قاسم)، الذي خرج بكلمة مصورة يوم 23‏ أيلول 2017 هاجم فيها الرجل وقال إنه (الأمير المسردب)، يقصد أنه غائب طوال الوقت عن مجرى الأحداث ولا يدري ماذا يجري حوله!.

1- القرارات السيئة جلبت ردود فعل مدمرة

كانت قرارات الظواهري دافعاً لمجموعة من المنظرين ومنهم أبو محمد المقدسي للهجوم على الظواهري وسياساته الخاطئة، ومن قرأ ما كتبه أبو بصير الطرطوسي، الشيخ الروحي للجهاديين ونقده لقائد القاعدة، يمكنه أن يستشعر ذلك. حيث قال: لا يُقبل من الشيخ ولا غيره أن ينادي بالوحدة .. ثم هو في نفس الوقت يحرص على الأسباب التي تمنع من تحقيق هذه الوحدة، التي منها إلزام أهل الشام ومجاهديهم بأن يتحدوا تحت مسمى واستراتيجية القاعدة، فيكون مثله مثل من يقول بالشيء وضده معاً، وهذا لا يليق!

2- إلقاء اللوم على الظواهري بسبب أضرار داعش

تشجع الطرطوسي، فقيه تنظيم القاعدة، أيضاً مطالباً الظواهرى بالاعتذار قائلاً: جيد من الشيخ أيمن ــ بعد خمس سنوات! ــ أن يشير إلى خارجية جماعة الدولة (داعش)، وأنهم خوارج سفهاء.. لكن عليه في آن معاً أن يملك الجرأة الأدبية على أن يسجل اعتذاره للشام وأهل الشام.. لأن الخوارج هؤلاء ما كانوا ليكونون في الشام لولا القاعدة، فالقاعدة هي التي جلبتهم إلى الشام.

3- قسم الظواهري قلب القاعدة و دماغها في الوسط تماماً

دمّر الظواهري في عهده استراتيجية بن لادن، وأصبح مدركاً لنظرية عولمة الجهاد، واستراتيجيته القائمة على ما يسمى تكوين الجبهات والتحالفات الداخلية. هذه أفكار يؤمن بها عدد كبير من قيادات القاعدة الآن، بل وتؤمن بها فصائل مثل (أحرار الشام)، وهو ما أوجد صراعاً عميقاً مع جناح القاعدة المعولم، ومشايخ التنظيم، مثل أبو قتادة، وأبو محمد المقدسي.

4- الظواهري أطاع طالبان

انحاز الظواهري لحركة طالبان، وبايع كل قياداتها على السمع والطاعة، وأصبح دمية لها تحركه كيفما شاءت. افتتحت الحركة مكتباً تمثيلياً لها بالدوحة، لذا فقد واجه اتهامات من قبل داعش بأنه تحركه دول و قد أصبح عميلاً لها، رغم أن الحركة في أفغانستان أعلنت بصراحة أنها تحارب القوات الأجنبية، وأنها لن تهدد المصالح الغربية، وأن المشروعية الدولية لوجودها يقتضى أن تكون حركة قومية وطنية إسلامية، وأن يكون جهادها خاص من أجل الأفغان.

5- السر وراء “البنيان المرصوص”: الظواهري في الواقع قد قام بتقسيم القاعدة إلى مجرد تشرذمات

أصبحت المسألة في تنظيم القاعدة ليست لها علاقة بما أطلق عليه التتظيم “المظلة الجهادية”، و”المظلة السلفية”، بل أصبحت العلاقة عكسية، فكلما اتسعت الأولى ضاقت الأخرى، وشهدنا عدة أنواع من الأنماط، وهى النمط الاندماجي: الذى يقوم علي توحيد هيكل القيادة والتحكم، والدمج التام للقوات المقاتلة، ونمط المظلة الأيديولوجية، الذى تلتزم فيه جماعات شريكة وحليفة نفس الأفكار، والتمويل وغيرها، وبمرور الوقت، أصبحت القاعدة حاضنة أيديولوجية، وبؤرة لفصائل قد لا تحمل نفس الاستراتيجيات، وهو الذى أسهم فيه الإنترنت، حيث أسس وحدة افتراضية بين أفراد وجماعات، لا ترتبط تنظيمياً، لذا لم تصبح القاعدة بعهد الظواهري جماعة واحدة، بل مجموعة من الجماعات، يمكن أن نصنفها كالتالى، جماعات حليفة (متحالفة مع التنظيم فقط)، وجماعات شريكة (متشاركة معها في الأهداف) وجماعات متماهية (أصبحت في صلب النواة للتنظيم)، وهذه التصنيفات السابقة في النهاية أدت إلى نتيجة مفادها، أن القاعدة ليس شيئاً واحداً، وأن الأيديولوجية التي تقوم على التمازج والالتحام بالفصائل الإسلامية الأخرى، أدت في النهاية إلى تعميق جراح التنظيم، وإلى تفتته. على سبيل المثال، الانشقاق الضخم للتنظيم في العراق، عن بيعة الظواهري، والانشقاقات التي جرت في ليبيا.

6- الظواهري ورجال القاعدة الموالون له قد خسروا السيطرة و الإحترام في كل مكان

شهدت القاعدة بعهد الظواهري اقتتال تنظيمه مع فصائل وجماعات أخرى، وحوادث التخلص من القيادات كما جرى من قتل حجي بكر مؤسس داعش، وأيضاً قتل عضو القاعدة أبو خالد السوري، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جرى الأسبوع الماضي بين داعش وحركة شباب الإسلام بالصومال، صباح الاثنين 17 ديسمبر 2018، وما جرى يوم في 11 نوفمبر 2017 حين أصدرت جماعة جند الإسلام بياناً صوتياً، قالت فيه إنها استهدفت “خوارج البغدادي” لترصدهم بعوام المسلمين، بعد أن ثبت بالدليل القاطع اعتداءات التنظيم المتكررة. إن أهم الأسباب للقتال بين الفصيلين هو المكاسب المناطقية والفصائلية التي أثبتت التجارب أنها تتلاشى ولا تصمد أمام التطوُّرات غير المحسوبة، كما حصل في محافظة الرقة، وكما حصل مع الفصائل الثورية في إدلب عندما واجهت هجمات (جبهة النصرة سابقًا)، حيث لم يتمكن الجميع من الصمود بالمواجهة المنفردة.

لقد فشلت الفصائل في خلق تفاهمات أو تحالفات، واحتفاظ كل منها بكتل جغرافية استراتيجية تمكّنها من التأثير على عناصر الفصائل الأخرى، مما أدى لخسارة فادحة، ومعارك دموية، ووضع خيارات محدودة أمام كل فصيل اضطرته إما للتحالف مع الأترك، أو مع فصائل أخرى، مما أدى للاقتتال بينها فيما بعد.

من ناحية أخرى هاجم زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، في كلمة صوتية له بعنوان “فلنقاتلهم بنياناً مرصوصاً” بثتها مؤسسة “السحاب”، من اعتقلوا إياد الطوباسي “أبو جليبيب الأردني”، وسامي العريدي، و”أبو القاسم الأردني” و”أبو همام السوري”، واتهمهم أنهم “نكثوا العهد”.

7- في عهد الظواهري، تم القضاء على كبار قادة القاعدة واحدا تلو الآخر

فقد القاعدة بعهد الظواهري أكبر عدد من قيادات التنظيم، ومنهم ناصر الوحيشي على سبيل المثال لا الحصر، وكان الجهد الاستخباراتي المتميز الذي تمثل في الاختراق الاستخباراتي للتنظيم منذ زمن طويل، هو الذي حسم المعارك مع التنظيم باليمن ومصر وليبيا والجزيرة العربية، وأيضاً بسوريا، ما أدى إلى أن زعيم القاعدة يعترف بالهزيمة في خطاب صوتي يوم الأربعاء 29 نوفمبر 2017. والواقع أن التأثير المشترك للعمليات الاستخباراتية، وهجمات الطائرات بدون طيارين، والتحولات التي طرأت بين صفوف الجهاديين، والربيع العربي، كان سبباً في إحباط قوة “تنظيم القاعدة المركزي”، الذي نفذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كتهديد عالمي.

8- علاقة الظواهري الحميمة مع إيران كانت مدمرة بشدة للقاعدة

تحول القاعدة بعهد الظواهري إلى أن يكون عميلاً إيرانياً بامتياز، فقد عقد اتفاقاً مع طهران تقوم بموجبه بحماية عدد من القيادات ومنهم الرجل الثاني بالتنظيم، أبو الخير المصري، الذي قتل فيما بعد بسوريا، وسيف العدل، الذي لا يزال يقيم هناك، وهذا كل حدا بالبعض أن يتهمه بتلقي تمويلات، بل وأنه يقيم أيضاً بإحدى المحافظات الإيرانية!

9- فقد الحاضنات الرئيسية للقاعدة في سوريا واليمن

أصبح القاعدة في عهد الظواهري بلا حاضنة شعبية، رغم أنه حاول الإيحاء أن له حاضنة بإدلب وحلب، وحضرموت باليمن، وتبين أن محاولته فرض السيطرة محاولة فاشلة، حيث تظاهر الأهالي في محافظات سورية ويمنية ضد التنظيم.

10- قام الظواهري بتحويل القاعدة إلى زجاج مهشم

تشظت القاعدة وانشطرت إلى عشرات الفصائل، وأصبح كلا منها يحمل مشروعًا يتمايز عن الآخر، بل واكتنفها صراع حول مناطق النفوذ والأموال دائماً، وكل ذلك في غياب الظواهري، الذي يخرج كل حين بكلمة مسجلة يدعو فيها للانتقام من العالم، وشن حرب كونية مدعياً أنها من أجل الإسلام!

 

إقرأ أيضا:

“داعش” و”القاعدة” والحرب الدعائية

ما هو مصير القاعدة في سوريا؟