دبي ، الامارات العربية المتحدة 5 سبتمبر ، متفرقات ، أخبار الآن  – في نهاية العام الماضي نقلت وكالات الأنباء العالمية أخباراً مثيرة حيث عثر علماء الآثار بالقرب من قرية أونافاس في ولاية سونورا غربي المكسيك على مقبرة غريبة تعود لأكثر من 1000 عام وتحتوي هذه المقبرة على رفات 25 من المخلوقات التي تشبه إلى حد كبير البشر لكن نصف هؤلاء لهم جماجم مخروطية

اكتشاف مثير

يؤكد العلماء بأن هذه المقبرة هي فريدة من نوعها، ولم يتم العثور على مثيل لها في أراضي أمريكا الوسطى من المكسيك إلى الهندوراس. والسؤال الذي يطرح نفسه هو من أين ظهرت هذه المسوخ في مقبرة مجهولة كانت تنتمي لقبيلة بيما للهنود الحمر؟ وهنا طرحت كريستينا غارسيا مورينو مديرة المركز البحثي فرضية خاصة بها تقول:

“على الأغلب لجأت القبائل الهندية القديمة إلى عملية تشويه الجماجم من أجل تمييز الطبقات الراقية من الطبقات الفقيرة”.

ولكن تبقي هذه الفرضية على العديد من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها، وكما تشير الصحفية سفيتلانا كوزينا فإنه من غير الواضح السبب الحقيقي والضرورة الملحة لجعل الجمجمة تأخذ شكلاً مخروطياً لتمييز السادة عن الخدم إذا كانوا جميعاً قد دفنوا في مقبرة واحدة؟ هذا أولاً

ثانياً: لم يعثر العلماء على تفسير حول وجود المجوهرات كزينة على بعض الهياكل العظمية وعدم وجودها على البعض الآخر. ولماذا لم يكن هناك إلا هيكلاً عظمياً واحداً لامرأة من بين الهياكل الـ 25.

ثالثاً: إنه لمن غير المعروف لماذا كان هناك تشويه متعمد في أسنان بعض جثث الرؤوس المخروطية، حيث أظهر التحليل أن هذا التشويه تم خلال حياتهم وبالتحديد في فترة المراهقة.

حوادث أخرى

يجب القول أن هذه اللقية هي الثانية من نوعها التي يتم العثور عليها في النصف الغربي من الكرة الأرضية في السنوات الأخيرة، مع العلم أنه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2011 تم العثور على جثث محنطة لمخلوقات شبيهة بالبشر لها رؤوساً ضخمة بالقرب من مدينة أندهوايليلس. وعندما رأى يناتو دافيلا ريكيلمي عالم الأنثروبولوجيا من متحف مدينة كوسكو في البيرو هذه المخلوقات صرخ قائلاً: إنها تشبه إلى حد بعيد المخلوقات الفضائية؟ حيث وصل طول الرأس من الذقن إلى الأعلى نحو 50 سم وطول الجسم والقدمين قريبة جداً من هذا الرقم أما طول الجسم والقدمين فهما متساويان وقد ظهر تجويف العينين بشكل أوسع بكثير من التجويف لدى الناس العاديين. في حين أن الأسنان تشبه أسنان البالغين الكبار، أما اليافوخ فهو يشبه الجنين تماماً، والأهم من ذلك أن الجمجمة لدى المكسيكيين وسكان البيرو متطاولة بشكل كبير إلى الوراء.

على كل حال فإن مثل هذه الجماجم لا تعتبر نادرة في أمريكا الوسطى والجنوبية حيث تظهر هذه الحالات من خلال الصور التي جمعها الباحث روبرت كونولي عندما كان يجري دراسات عن الحضارات القديمة في جميع أنحاء العالم وكانت الجماجم أنواعاً مختلفة من حيث التشويه فمنها الممدود ليصل حجم الجمجمة نحو 3 آلاف سم مكعب ومنها الكروية وأشكال أخرى معقدة.

وفي عام 1995 نشر كونولي نتائج أبحاثه على قرص مدمج تحت عنوان “البحث عن الحكمة القديمة”. يشار إلى أن الباحث الروسي أندريه سكلياروف اهتم بمواضيع هذه الجماجم واستهوته النظرية التي تقول أن أصل ذوي الجماجم الكبيرة هم من الفضاء.

لكن العلم يؤكد أننا نحن أمام حالات من المرض التي تشبه الطفرات الوراثية بالإضافة إلى أنه هناك فرضية تفيد أن هؤلاء ضحايا عمليات أجريت على الرأس، حتى أن العلماء يصفون أسباب هذه العمليات: فبالإضافة إلى الرغبة في تسليط الضوء على هؤلاء الأشخاص كونهم ينتمون إلى طبقات اجتماعية مرموقة كما تم ذكرهم أنفاً، فإن ذلك يمكن أن يكون رغبة في اكتساب بعض السمات الخاصة التي تجعل الجمجمة جميلة، أو على العكس قاموا بذلك من أجل إخافة العدو.

الجماجم من العالم القديم

من المعلوم أنه تم العثور على أول جمجمة مشوهة في البيرو بداية القرن التاسع عشر. وقتئذ أشار العلماء الأوروبيين إلى أن هذه الحالات عبارة عن شذوذ في العالم الحديث. ولكن في عام 1820 تم العثور فجأة على جمجمة تعرضت لتشويه اصطناعي في النمسا، وبعد ذلك استحوذ أحد النبلاء واسمه برينر على الجمجمة وصنع منها عدة قوالب وأرسلها إلى متاحف أوروبية مختلفة تحت اسم “جمجمة أوارا” نسبة للمنطقة التي وجدت فيها الجمجمة. اكتسبت الفرضية التي تقول أن الجمجمة يعود أصلها إلى البيرو شعبية لفترة قصيرة وإنها وجدت في مناطق العالم القديم محض صدفة، ولكن تم العثور على جمجمة مماثلة في محجر بالقرب من فيينا عام 1846. وبعد 7 سنوات تم تسمية هاتين الجمجمتين على أنها جماجم أوارا، وفي وقت لاحق تم العثور على جماجم مشوهة بشكل مصطنع في أوروبا الغربية.

يشار إلى أن علماء الآثار وجدوا جماجم مماثلة في روسيا ظهرت في متحف للآثار القديمة في منطقة كيرتش عام 1826، وقد أشار رئيس الجمارك في هذه المنطقة بافل دبريوكس وهو مواطن من لوكسمبورغ وهو رجل مثقف ومولع بعلوم الآثار، إلى أن هذه الجماجم تنتمي إلى قبيلة “مكروكيفالوف” القديمة والتي ذكرها أبقراط في كتاباته. وفي عام 1832 نسب الرحالة دوبوا ديمونبير الجماجم إلى “السيميريين” وفي عام 1867 وبالقرب من مصب نهر الدون تم العثور على جمجمتين تعرضتا إلى تشويه اصطناعي بالإضافة إلى جمجمة أخرى تم العثور عليها على ضفاف نهر الفولغا بالقرب من مدينة سامارا. جدير بالذكر أن التواريخ الصحيحة لهذه اللقيات سمحت للعالم الأنثروبولوجي ديمتري نيكولافيتش أنوتشين في عام 1887 طرح فرضية تقول أن انتشار عادة تشويه الجماجم من وراء سهوب الفولغا إلى أوروبا.

حتى هذه اللحظة يمكن أن نقول هناك العشرات لا بل المئات من هذه اللقيات ولهذا فإن العلوم الأكاديمية تمتلك معلومات وفيرة حول الجماجم التي تعرضت لتشويه مصطنع وهي تشير إلى اعتقاد أن البشر البدائيين كانوا يمارسون هذا النوع من التشويه.

تشير التقارير إلى أن أقدم الجماجم المشوهة تنتمي إلى العصر الحجري الحديث في أريحا وفي العصر النحاسي في بيبلوس وفي العصر الحديدي في لاخيش. أما الجماجم التي تم العثور عليها في لبنان وقبرص وجزيرة كريت تعود إلى الألفية السابعة –الثانية قبل الميلاد وهم من الإناث حصراً، ويعتقد أن عملية التشويه أجريت في إطار عبادة آلهة عشتروت التي تجسد الأمومة والخصوبة.

لاحقاً أصبحت هذه الممارسات منتشرة بشكل واسع في مصر القديمة وانتشرت هناك عبادة عشتروت من السلالة الـ 18 التي تتراوح بين الأعوام 1550-1292 قبل الميلاد، وفي هذا الصدد كان لدى الفرعون إحناتون وزوجته الجميلة وأخته نفرتيتي وابنته رؤوساً مخروطية. وفي اتجاه آخر ظهرت هذه العادات الغريبة في آسيا الوسطى في الفترة ما بين القرن الخامس-الثالث قبل الميلاد ومن ثم نقلت لاحقاً إلى القبائل المتحاربة.

وجدت هذه العادات تربة خصبة لها: فهناك كان عامل تكوين عرقي غير متجانس للقبائل وهذا العامل كان في تغير مستمر بالإضافة إلى الحاجة إلى العزلة في ظروف تشهد فيها الأوضاع خطراً متزايداً بسبب الهجوم والاستيلاء من قبل قبائل “اتحاد غون” مما ساهم في نشر عملية التشوه الاصطناعي للجماجم. فإذا كانت نسبة الجماجم المشوهة بشكل مصطنع بلغت 35.7 بالمئة في قبور “سارماتوف” في الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد-القرن الأول بعد الميلاد فإن هذه النسبة ارتفعت إلى 88 بالمئة في مرحلة متأخرة ما بين القرن الثاني والقرن الرابع ما بعد الميلاد، وهذا يشير إلى أن عملية التشوه الاصطناعي كانت إحدى السمات الأكثر إثارة للإعجاب لسكان السارماتيين في منطقة نهر الفولغا.

تحركت هذه الموجة وانتشرت غرباً وظهرت على نطاق واسع في عهد الهجرة الكبرى وذلك من أجل زرع الخوف والرعب لدى الأعداء وقد حاولت شعوب الألانيون الذين استقروا في أوروبا عدة مرات إقامة دولة خاصة بهم مع أنهم كانوا يقاتلون تارة إلى جانب الرومان وتارة ضدهم. ولكن أخيراً استطاعوا من خلال تواجدهم بأعداد كبيرة عبور القارة الإفريقية وتأسيس دولة خاصة بهم على أراضي تونس الحديثة، ولكن في الفترة ما بين 533-534 سنة تعرضوا لهزيمة ساحقة من قبل الجيش البيزنطي.

تشير تقارير علماء الآثار إلى أن أحدث الجماجم التي تعرضت لتشوه اصطناعي في أوروبا وجدت في فرنسا وبولندا في الفترة ما بين القرن الحادي والثالث عشر الميلادي. وحتى وقت قريب كانت هذه العادات شائعة بين التركمان في حين تم الحفاظ عليها في بعض ثقافات شعوب أرخبيل الملايو في إفريقيا الوسطى الذين كانوا يعتبرون الرؤوس المخروطية رمزاً للجمال. ولذلك يمكن أن نتساءل ونؤكد في الوقت نفسه بأنه لا علاقة لغرباء الفضاء في هذا التقليد الغريب! ولكن في الوقت نفسه نرى كيف أن الإنسان الحديث يريد تحقيق معجزة ما! وعلى الرغم مما تم ذكره أنفاً لا يزال هناك احتمال أن هذا التقليد الغريب الذي يعود أصوله إلى ألاف السنين، نشأ بعد أن شاهد أسلافنا البدائيين أولئك “الغرباء” الذين أدهشوهم بقدرتهم الإلهية قادمين من كواكب بعيدة.