أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة

لم يكن غروب الثالث عشر من اب / اغسطس 2017 كغيره من ايام الاربعاء.

حساسية جلدية كنت اعتقد انها عرضية قادتني الى مركز الأشعة في احد المستشفيات، الهدف المزيد من الطمأنينة و النتيجة محسومة..حساسية اعتيادية تنتهي باستخدام بعض المراهم.

دخلت غرفة الاشعة.. لا انكر انني كنت اشعر بالقليل من القلق لكن الكثير من الثقة بأن ما اشكو منه مجرد حساسية جلدية عادية جدا الى ان وقعت على مسامعي كلمات كانت ثقيلة جدا “ربما العناية الالهية ارادت لك هذه الحساسية الجلدية لتكتشفي الورم”.

“الاشعة اظهرت كتلة من المرجح انها سرطانية”!

هكذا قالتها طبيبة  الاشعة  بكل برودة اعصاب وهدوء وقساوة جعلتني باللحظة نفسها استجمع كل مشاعر الغضب و الحزن و الكره ضدها.

تحولت طبيبة الاشعة للحظات معدودة عدوا يحاول تدميري بحقيقة وواقع ملموس لم يعد هناك مفر منه.

لائحة طويلة من الفحوصات الطبية، شعاعية، مغناطيسية.. كلها لم تبدد الكتلة السوداء التي ظهرت في صورة الموجات فوق الصوتية و لم تبدد معها اطنانا من الهواجس والاسئلة:

هل هذه الكتلة السوداء سرطانا؟ 

هل أنا مصابة بسرطان الثدي؟

ما هي فرص نجاتي؟

الاجابة الوحيدة التي مدتني بالأمل يومها كان طلب الطبيبة الخضوع لخزعة لتحديد ماهية الكتلة و نوعها و تحديد كيفية علاجها واذكر يومها باني خرجت من المستشفى بورقة تثبت شبهة اصابتي بـ ٦٠٪؜ بسرطان الثدي الى حين تحديد موعد الخزعة و قطع الشك باليقين.

سيارتي المركونة في باركينغ المستشفى كانت وجهتي التالية، أذكر أني جلست قرابة الثلاثين دقيقة داخل السيارة احاول اقناع نفسي بأن ما جرى قبل دقائق في المستشفى كان مجرد كابوسا. لكن الواقع تفوق علي والورقة بين يدي كانت أكبر اثبات على محاولاتي الفاشلة.

صورة وحيدة كانت امام عيني: نظرة اولادي لي بعد ان ابدأ بالعلاج المفترض.
و سؤال وحيد: هل سأستطيع الشفاء و العودة الى حياتي؟

كل قوتي و صلابتي التي لطالما تمتعت بهما انهارت في لحظة واحدة و تحولت في ثوان الى إنسان يستجدي الوقت، مجرد الوقت، امرأة من دون اي طموحات ولا تمنيات ولا مستقبل مجرد امرأة تحمل مرض السرطان وتستعد لدخول مرحلة كفاح  بالتأكيد ستكون خاسرة.

وحدهن من يعانين من السرطان يستطعن فهم ثقل و مشقة الأيام التي فصلت بين ايام التشخيص الاولي و الموعد المحدد للخزعة.

نقاشات منفردة و مزدوجة.. آلاف التساؤلات عن امكانية نجاح العلاج، عن مدى انتشار المرض و مدى خطورته، عن المستقبل، عن الاولاد.. عن العمل.. اسئلة من دون اي اجابات لا بل تتعقد أكثر في ظل انتظار طويل و قاتل اكثر من السرطان نفسه.

3 ايام مضت بساعاتها الطويلة و لياليها السوداء، بذلت جهدا كبيرا للاستمرار بحياتي الطبيعية.. بتعاملي مع محيطي لكي ابقى تلك الانسانة القوية التي لم ترتم بعد فريسة سهلة للمرض.

الاحد 17 ايلول و كأني في مواجهة مع مصير محتوم، لم تكن حتى لدي القوة الكافية حتى لقيادة سيارتي و الذهاب الى موعدي عند طبيبة جديدة ارشدتني اليها زميلتي في العمل.

لم يكن صعبا على الطبيبة ان تلاحظ انهياري التام، اطلَعت على الفحوصات المخبرية و الصور بالموجات فوق الصوتية و الصور بالاشعة واخضعتني لفحص دقيق. منحتني كل الوقت، بعض التطمينات، الكثير من الدعم المعنوي اكاد اجزم انه اقوى ما شعرت به منذ لحظة التشخيص الاول.

كانت في لحظتها أملي الوحيد و كانت على عكس كل من التقيتهم من أطباء تختزن كمّا هائلا من الإهتمام و الايجابية نعم ايجابية كنت بأمسّ الحاجة اليها.

ايجابية ربما جعلتها تتشبث ببارقة أمل لتحاول برهنة ان ما أشكو منه ليس بالسرطان. 

اخضعتني للمزيد من الفحوصات والكثير من الاختبارات وصلت الى حدود اجراء خزعة كان هدفها التأكد من صحة النتائج التي ظهرت معها والتي تعارض جملة وتفصيلا التشخيص الاولي و الذي اثبت وجود ورم في الثدي.

و بالفعل تم التأكد و بعد نحو 10 ايام من خلال سلسلة فحوصات ان التشخيص الاولي لم يكن دقيقا لترسم رسالة الاطمئنان القصيرة التي تلقيتها من الطبيبة مرحلة جديدة في حياتي.

لحظة راجعت فيها كل تفاصيل ما حصل، تفاصيل قد لا تقارن بمعاناة مرضى السرطان الذين يقرأون هذا المقال الآن  وهم لا يحتاجون مقالا من هنا و لا حملة دعم من هناك فهم اقوى بكثير مما استطيع التخيل.

تفاصيل كانت كافية كي ادرك كم هي مهمة هذه اللحظة و الرسالة والكلمة عند مريضة السرطان التي قد تبدل فيها مصيرها، ادركت كم هي عزيزة هذه الحياة و اهمية ان نحافظ عليها بالوقاية والمتابعة الطبية، والأهم من كل ذلك أدركت اهمية  لجم هذا  السرطان من التسلل الى روحنا و عقولنا و خنقها  قبل تسلله الى جسدنا.

* هذا  المقال ليس من  نسج خيال  يتناسب مع شهر التوعية بسرطان الثدي وانما قصة حقيقية حصلت قبل نحو عام مع احدى الأمهات العاملات في الإمارات العربية المتحدة