أخبار الآن | دبي – الامارات العربية المتحدة – (جمانة عيسى)

النفوذ الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط وصل اليوم الى منتهاه بعدما كان حلما يراود الفارسيين منذ انهيار إمبراطوريّتهم بالفتوحات الإسلاميّة التي استكملت بفتح فارس برمتها عام 23 للهجرة الموافق لعام 644 للميلاد.

هذا ما ذهب إليه بعض المحلّلين الذين رأوا أنّ هذا الحلم عزّزه الاتفاق النووي الذي أبصر النور بعد 21 شهرا من المفاوضات الشاقة، فاستطاعت إيران في الرابع عشر من تموز/يوليو 2015 أن تنتزع من المجتمع الدولي اتفاقا بخصوص برنامجها النووي، ابرمته مع الدول الست الكبرى في فيينا، فبنت الآمال على أن يفتح لها المجال لتعزيز نفوذها في المشرق العربي لما له من تبعات ماديّة وعوائد ستريح اقتصادها الذي ترنّح لسنوات طويلة وشاقة بفعل العقوبات الدوليّة التي فرضت عليها منذ ديسمبر2006.

إيران اليوم، وحسبما يفصّل محلّلون،تعوّل على ثمار هذا الاتفاق النووي من اجل دعم مشروعها الرامي للهيمنة على القرار السياسي في الشرق الاوسط إذ سيوفّر لها سيولة مالية ضخمة ستتمكّن من توظيفها في دعم اذرعها الممتدة في المنطقة وتمويل حلفائها في أنحاء عدّة من العالم واستقدام مرتزقة لتحقيق طموحاتها على التمدّد والتوسّع. 

هذا على الأرجح ما أثار ريبة الدول العربيّة، من أن يسمح ذلك لطهران بالإنفاق أكثر لتحقيق مشروعها التوسعيّ بالهلال الشيعيّ ،مع الكشف مرّة بعد مرة النقاب عن شبكات تجسّسية مسلّحة زرعتها إيران في دول الخليج العربيّ وكان آخرها في الكويت ، دون أن يلغي ذلك الخشية العربيّة من أن الدول الكبرى أطلقت يد طهران معترفة بدورها الإقليميّ كشريك فاعل في المجتمع الدوليّ يمكن التعامل معه والاتّكال عليه في تحقيق مصالحها العليا في المنطقة، ولكنّ المرشد الأعلى استقوى على هذه الدول بعد أيام قليلة من الاتفاق، حين أكّد أنّ "مواقف بلاده من الولايات المتحدة الأميريكية لن تتغيّر وأنّها لن تدخل في مفاوضات معها حول قضايا الشرق الأوسط" مبقيا بذلك الكرة في ملعب بلاده.
ولم يتوان وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف من لبنان،ورغم ديبلوماسيته الباسمة،عن توجيه رسالة واضحة للمحيط الخليجي بالقول لأكبر دولة خليجية عربية "إنّ على الجانب الآخر (أي السعوديين) أن يرضونا" ملطفا الجو بالاستطراد "بأن الإيرانيين لا يطلبون ذلك”.
وكان التصريح المنسوب لرئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني القائل:"إذا كانت الصهيونيّة الأميريكية تحاول أن تسقط الأسد فنقول لها بكل صراحة إذا سقطت سورية اليوم فذلك يعني سقوط الكويت غدا وافهموها كما شئتم" الترجمة العملية لما يخشاه خصوصا جيران إيران العرب،فاستقى حسن نصرالله ،زعيم حزب الله، الذراع العسكرية لإيران في لبنان،الموضوع سريعا وقال على مستواه، مطمئنا جمهوره:" إنّ علاقات إيران مع حلفائها تقوم على أرضيّة فكريّة وتسبق المصالح السياسية".

إذا، إيران لن تتخلى عن حلفائها وأذرعها في المنطقة،إلا أن ذلك لا يمنع مؤشرات تململ البيئة الحاضنة للحزب،ومن خلفه الخط الإيراني في المنطقة،من انخراطه بالحرب السورية بشراسة،وهي الحرب التي أفقدتهم الكثير من شبابهم وهو ما لم يعتادوا عليه، خصوصا مع عدم وجود أفق حلّ واستمرار الاستنزاف البشري لهم .

ولكن ما أبرز ما يتوجس منه جيران إيران سواء العرب أو تركيا؟ 
بالنسبة لهذه الدول، تقع اليمن والعراق وسورية ولبنان ضمن دائرة أمنها القومي وهو ما سيدفعها الى خطوات استباقية،لأنّ النفوذ الإيراني لامسها بشكل مباشر فكانت الرسالة بأنّ أيّ فعل إيراني سيقابل بردّ فعل أقوى، وما "عاصفة الحزم"سوى الدرس الأعنف الذي تلقته إيران لتلزم حدودها.

في ظلّ هذا التحرّك العربيّ بقيادة المملكة العربيّة السعودية الذي باغت الإيرانيين وأدهش العالم لصرامته ، رأى بعض المحلّلين أنّ إيران ستعتمد على سياسة "الفوضى الممسوكة" لتحافظ على مكاسبها التي حققتها حتى الآن مع شعورها بالانتصار لإنجازها الاتفاق النووي الذي تباينت الآراء حوله وترجم انقساما صحفيا يشوبه التخوّف من خلال خطين، الأول اكتفى بالنظر إليه على أنه أبعد شبح الدخول ولو آنيّا في حرب ضدّ إيران، ومن رآه تأجيلا لحصول إيران على السلاح النووي خمسة عشر عاما فقط مع رفع العقوبات عنها،ما يعدّ مكسبا حقيقيا لها. 
 
رغم كلّ هذا وذاك، يرى عدد من المحلّلين أنّ النفوذ الإيرانيّ بلغ منتهاه، فنشوة النصر على المدى المنظور هي بداية العدّ العكسيّ على المدى البعيد لأنّ الاتفاق النوويّ سيؤدي الى تفكّك النظام الذي قامت عليه الثورة عام 1979 وكان شعارها العريض" العداء للغرب ونصرة المستضعفين".