أخبار الآن | ريف اللاذقية – سوريا (جمال الدين العبدالله)

يعيد السوريون في تجربتهم المريرة بالحرب الشرسة، كل ما عاشته الشعوب المقهورة من مرارة الهجرة والنزوح وتغيير المكان والبعد عن الوطن قسرا.

هنا، في أحد مخيمات الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، تعيش المعمّرة "أم محمد" 89 عاما، المهجرّة قسرا عن منزلها ريف اللاذقية؛ في جبل التركمان، حيث توارثت بعض العائلات المنازل القديمة على مدى عقود وأجيال.

بعد الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها قوات النظام المدعمة بالميليشيات الإيرانية وبدعم روسي، نزوح معظم أهالي جبلي الأكراد والتركمان نحو الشريط الحدودي التركي، تاركين وراءهم منازلهم وأرزاقهم، وحتى ذكرياتهم القديمة التي لم يفارقوها منذ ولادتهم.

انتهى المطاف بـ "أم محمد" في إحدى المخيمات التركية بعدما كانت تقطن أحد المنازل الريفية في إحدى قرى جبل التركمان، والتي شهدت بناء منزلها مذ أن كانت صغيرة، وورثته عن والدها وتزوجت وأنجبت فيه، ولم تفارقه منذ ذلك الحين إلا للحالات الطارئة فقط، ولم تذكر أنها نامت خارجه يوماً ما.

مع بداية تحرير ريف اللاذقية في عام 2012، وبدايات القصف العشوائي على ناحية وقرى "ربيعة"، لم تفارق منزلها رغم محاولات أهل قريتها لتركه مؤقتاً ريثما تهدأ الأوضاع، واستمرت فيه إلى أن بدأت الحملة العسكرية على جبل التركمان حيث خرجت مجبرة تخوفاً من اقتحام جيش النظام وميليشياته للقرية والانتقام ممن تبقى داخلها.

ورغم اللغة العربية الركيكة لـ "أم محمد" القاطنة حالياً في إحدى المخيمات التركية "معظم سكان جبل التركمان يتكلمون باللغة "التركمانية" المشتقة من اللغة التركية الأصل".

تقول المعمّرة: "لا أريد أن أستبدل بيتي الذي عشت فيه وربيت أولادي وأحفادي فيه، لا أدري الآن ما حل ببيتي وبمزروعاتي، الحمد لله على الصحة، ولكن القهر محفور في القلب، حالي كحال معظم النازحين من المنطقة".

وتضيف: لم أستطع اصطحاب سوى "مفتاح الدار" الذي أضعه حول عنقي دائماً، وصورة زوجي المرحوم الذي فارقني منذ أكثر من عشرين عاماً، لا أدري ماذا سيفعل أولئك المغاضيب "الشبيحة" بمنزلي، آمل أن يتركوه دون تخريب لأنه لا يوجد فيه شيء يستحق السرقة".

شريط الحياة على كاميرا الموبايل

"خالد" أحد أحفاد أم محمد، والذي كان مقاتلاً في صفوف الجيش الحر في ريف اللاذقية، وهاجر مع أهله إبان الهجمة الأخيرة نحو المخيمات التركية، يقول: "لم أر تشبّث جدتي بمنزلها بمثل تلك اللحظة، لم نصدق أنها اقتنعت بتركه، ولكننا وعدناها بأننا سنرده إليها عاجلاً غير آجل كمحررين".

ويضيف: دائما ما تطلب جدتي مني أن أريها الصور التي كنت أقوم بالتقاطها لها في منزلها، ولمزروعاتها وحديقة المنزل، أصبحت حياتنا مجرد صور على أجهزة الكترونية تحيي الأشواق والأيام الخوالي".

لا يوجد أحد من أهالي ريف اللاذقية إلا ويحتفظ بتذكار صغير كمفتاح بيته، أو الصور العائلية، أو بعض الأشياء الرمزية التي قد تكون قيمتها المادية صفراً مقارنة بأهميتها المعنوية لدى صاحبها، ولكنها دليل القلب والروح لسوريا التي حلموا ونحلم بها جميعا بأن تعود حرة وتحررنا أيضا.