أخبار الآن | أورفا – تركيا – (عزام الحاج)

يمكن كتابة تاريخ محافظة الرقة السورية خلال السنوات الخمس السابقة على أنه ميدان نشط لحركة القوى الفاعلة المتصارعة على الأرض السورية، وحقل تجارب مفتوح تجري على أرضه ومجتمعه محاولات فرض رؤى وأجندات أقل ما يقال فيها أنها غريبة عن هذه الأرض وهذا المجتمع.

فقد دخل عنصر جديد على الساحة خلال الشهرين الأخيرين تمثل في سيطرة قوات حزب PYD الكردي، فرع حزب PKK التركي، على منطقة تل أبيض مدعوماً بغطاء جوي أمريكي مما أدى إلى انحسار سيطرة "داعش". وتحولت المحافظة إلى ساحة جديدة للصراعات انعكست على محاولة فاشلة لتشكيل مجلس محلي للمحافظة قبل بضعة أيام.

انتخابات المجلس المحلي في الرقة

يوم 28 أغسطس/آب 2015 كان موعداً لانعقاد اجتماع الهيئة الناخبة للمجلس المحلي في محافظة الرقة السورية الذي دُعي إليه في مدينة أورفا التركية. حضر الاجتماع ممثلون للحكومة السورية المؤقتة وأربعة أشخاص فقط من هيئة ناخبة تعدادها (107) شخصاً.

وهذه ليست المرة الأولى التي تخفق فيها مثل هذه الدعوات لتشكيل أجسام خدمية أو سياسية أو عسكرية خارج سوريا، إلّا أنها المرة الأولى التي يكون العائق فيها إشكال سياسي كبير ملموس في مقدماته وتفاصيله ونتائجه المحتملة.

حول هذا الموضوع، ينقسم أبناء الرقة في مهجرهم القريب من مدنهم وقراهم اليوم إلى فريقين غير متكافئين عدداً؛ فريق أول يرى ضرورة تشكيل مجلس محلي للمحافظة يكون واجهة وأداة تنفيذية للعمل في هذه المرحلة المليئة بالتحديات المركبة والمربكة وسنداً مدنياً للواء ثوار الرقة الذي يحارب "داعش" اليوم في شمال الرقة بغطاء وإسناد جوي من قوات التحالف وشراكة مع القوات الكردية على الأرض.

وفريق آخر، وهو الطرف الأكبر عدداً والأكثر نشاطاً وحضوراً، يتشكك في جدوى تشكيل مجلس محلي في ظل موازين القوى الحالية في محافظته، حيث يقع معظم سكانها ومساحتها تحت السيطرة المباشرة لـ "داعش" بينما تسيطر القوات الكردية سيطرة فعلية على منطقة تل أبيض في شمال المحافظة على طول الحدود التركية السورية.

المحامي والحقوقي "أنور الخضر" يرى أن" "الخلاف ذو صبغة سياسية وأن أسبابه واضحة في بيانات المقاطعة التي صدرت، وبما أن الرقة محتلة من قبل "داعش" وتل أبيض محتلة من قبل PYD، فبالتالي لا فائدة من التشكيل في ظل ما يلف مستقبل المحافظة من غموض".

ويضيف: "يوجد الآن مجلس محلي ومجلس أعيان في تل أبيض شكلهما PYD من الأشخاص أنفسهم، على الأقل المعلنين والمعروفين منهم لدينا، وأغلبهم كانوا شبيحة للنظام وتحولوا إلى مؤيدين لداعش أثناء تواجده في تل أبيض ولدينا أدلة وإثباتات على ذلك. المجلسان غير فاعلين ولا يملكان شيئاً من القرار ضمن المدينة [تل أبيض] وأحد أعضاء مجلس الأعيان معتقل منذ أكثر من عشرة أيام لدى القوات الكردية التي عينته".

ويُلخص السيد "معبد الحسون"، وهو معتقل سياسي سابق في سجون الأسد الأب، مسألة تشكيل مجلس محلي للرقة بأن الحكومة السورية المؤقتة، التي يرأسها د. أحمد طعمة، كانت قد جمدت دعوة إلى تشكيل مجلس محلي للمحافظة بقيت قائمة لمدة أربعة أشهر، ثم "لاحظنا أن الحكومة والائتلاف التزما جانب الصمت وعدم التدخل فيما يحدث" بعد سيطرة قوات البي كي كي المدعومة من طيران التحالف. ويضيف ثم "جاء قرار ضم كامل منطقة تل أبيض الى كانتونات نحن نقف ضدها ولنا منها موقف، وكأن ربع محافظة الرقة هو (حز بطيخ) يأخذه من يشاء ليلحقه بمن يشاء دون أن يكلف نفسه حتى مشاورة أهله أو سؤالهم".

ويشكك السيد معبد الحسونً بحماس الحكومة المفاجئ واستعدادها لإجراء الانتخابات وتشكيل مجلس محلي، ويرى أنه، ربما، بعد نجاح تشكيل المجلس سيطلب منه الدخول الى تل أبيض،  ليصبح مطية ويعطي شرعية أكثر أمام جميع الأطراف لقوات PYD.

فشل الاتفاق.. حكايتنا

أما السيد "راشد الصطوف"، الناشط السياسي اليساري والمعتقل السابق في سجون الأسد الأب، فيقول إن: "الخلافات بين مؤيدي ومعارضي تشكيل مجلس المحافظة لا تخرج عن إطار التجاذب والتناطح الذي يحكم واقع المعارضة ككل، حيث لا يوجد أية أسباب مبدئية أو سياسية ذات قيمة خارج الصراع على النفوذ والامتيازات والسلطة". ويُفصِّل هذه الصراعات بقوله "ويبدو أن اللاعبين الرئيسيين في موضوع المجالس هما كتلة الصباغ وكتلة الاخوان المسلمين. اللتان كانتا بشكل دائم وراء إفشال أي محاولة جدية لتشكيل مجالس ذات استقلالية ولا تخضع لنفوذهما. وقد نجحت هاتان الكتلتان في الهيمنة على كافة المجالس المحلية عبر بوابة التمويل".

ويلفت السيد الصطوف إلى أن عنصراً جديداً قد دخل على خط الدفع نحو تشكيل مجلس محلي لمحافظة الرقة في الخارج هو CCSD "مركز المجتمع المدني والديمقراطية" الأمريكي، الذي يتخذ من مدينة غازي عينتاب التركية مقراً له.

من الطرف المقابل، فإن المحامي محمود الهادي، ناشط سياسي وعضو اتحاد المحامين السوريين الأحرار، لا يرى خلافا بين أبناء الرقة إنما هناك اختلاف في وجهات النظر وهذا الاختلاف ناتج عن التعقيدات وعدم وضوح الرؤية، كما أنه انعكاس للوضع بسورية والرقة على وجه الخصوص.

والاختلاف في وجهات النظر حسب السيد الهادي يقسم أبناء الرقة إلى فريقين " فريق يرى تأجيل تشكيل المجلس بعد تحرير الرقة، أي، في داخل المحافظة بعد تحريرها، وفريق يرى أن تشكيل مجلس محلي هو ضرورة".

وعن رأيه الشخصي فهو "مع تشكيل مجلس مؤقت حالياً، وبعد التحرير يتم الإعداد لانتخابات جديدة ينتج عنها مجلس دائم، كي لا نقع  في الفراغ ونترك القوة العسكرية هي صاحبة المبادرة".

بين الاختلاف والخلاف، وبين الرؤية السياسية وصراعات المصالح، يبدو وكأن لغة السياسيين والناشطين وممارساتهم تدور في حلقة مفرغة، عاجزة عن تحقيق اختراق ينتشل العمل المعارض على مستوى المحافظة من العجز والتنافس الآني. يبقى أن حال الرقة اليوم يختصر، ربما، حال عموم مناطق سورية في المراوحة بالمكان والفشل في التقدم خطوة إضافية إلى الأمام، سواء على صعيد خلق خطاب وممارسة جامعين أم على صعيد توفير تحليلات ومعالجات لأسس تشكل هذا الخطاب وتلك الممارسات.