ريف دمشق، 14 سبتمبر ، وكالات- يحدث في القرن الحادي والعشرين أن يموت أطفال معضمية الشام في ريف دمشق من الجوع.
 قبل عشرة أيام فقط أعلنت مدينة المعضمية موت طفلين سوريين من الجوع بسبب الحصار الذي يفرضه نظام الأسد منذ عشرة أشهر على المدينة، وتبدو صورة أطفال المعضمية وكأنها خارجة من بلد عايش وعاش المجاعة لسنوات، ومن الصعب أن نصدق أنها إنما تعود لأطفال يعيشون في مدينة لا تبعد عن عاصمة سوريا أكثر من 10 كم.
ونشر موقع avaaz  لحملات المجتمع حملة بعنوان أنقذوا أهالي معضمية الشام من الموت جوعاً”، وطالبت الحملة الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها تجاه المدنيين المحاصرين في بلدة معضمية الشام، والتحرك فورا و تفادي وقوع كارثة إنسانية، لأن المدينة تعيش منذ عشرة أشهر حصارا خانقا حرمها من الطعام والدواء بشكل يكاد يصل إلى الحرمان الكلي.
تقول السيدة أم خالد “أنا أم لطفلين توأم حديثي الولادة، أصيبا كما أصبت أنا بسوء التغذية بسبب عدم توفر الحليب، وأنا لا أستطيع النهوض حتى الآن بعد الولادة لأنني لا أكاد أضع الطعام في فمي”، وتتابع أم خالد: “أريد أن أصرخ في وجه العالم، وأطلب من كل امرأة أن تضع نفسها مكاني، ماذا ستفعلين إن كنتِ ترين أطفالك بعمر الـ6 أشهر يموتون أمام عينيك، لأنك غير قادرة على إطعامهم”، وتسكت أم خالد قليلاً لتقول: “سلمت أمري لله وأحتسب طفلاي شهيدين عند الله”.
وبحسب الناشط الإعلامي المعروف باسم سيباستيان الدمشقي فإن تنسيقية المعضمية وأهل المدينة أطلقوا عدة نداءات استغاثة لكسر الحصار عن المدينة، ويقول إن المدنيين المحاصرين في المعضمية يتجاوز عددهم الـ 12 ألف نسمة، بينهم حوالي 2900 طفل وأكثر من 3 آلاف من النساء والمسنين وهناك حوالي 950 مصابا بحاجة إلى الرعاية الطبية الفائقة.
وأشار إلى أن نظام الأسد وبالتعاون مع اللجان الشعبية التابعة له قام بمنع عدة قوافل إنسانية تابعة للأمم المتحدة ومنظمة الأغذية العالمية وهيئات إنسانية أخرى من دخول المدينة، ما جعل أطفال المعضمية يموتون ببطء أمام أعين أهاليهم.
شهادات من داخل الحصار
تقسم أم فراس أنها لم تطبخ منذ اليوم العاشر من رمضان، أي ما يقارب الشهرين، فلم يبق في منزلها أي مادة غذائية يمكن استعمالها للطبخ بعد نفاذ آخر “كاسة برغل”، وتقول أم فراس إنها تشرب الكثير من الماء وتعتمد على بعض الخضراوات وخصوصا البقدونس لأنه الوحيد الموجود تقريباً.
وأم فراس زارت المركز الصحي في المعضمية مرتين، وفي المرتين كان الجواب واحدا “سوء تغذية، وإن بقي الحال هكذا فإن الموت قريب منها”، وهذا الكلام لا ينطبق عليها وحدها وإنما على عائلتها المكونة من 7 أشخاص، بينهم طفلان في السابعة وطفلة في الخامسة.
ويقول محمد 26 عاماً إنه لم يبق في المعضمية شيء يؤكل سوى التراب، فالتراب هو الشيء الوحيد المتوفر بكثرة مع القذائف والرصاص، “ياعالم متنا والله من جوعنا، صدقونا والله وماعم نكذب عليكم بس بدنا ناكل لنعيش، صرلي أسبوع بس عم آكل زيتون من السنة الماضية زيتون بس لانوا مافي خبز من 10 شهور، وصرت كل ما أمشي بالشارع دوخ واقع بالارض بسبب نقص التغذية ورحت على المركز الطبي بالمعضمية قالولي معك نقص تغذية وصفولي دواء لحالتي ولايوجد الدواء في المدينة”.
“قصير” دمشق
تعيش المدينة منذ بداية الثورة السورية بحالة من القصف المتواصل، وتعرضت لعدة مجازر واقتحامات، وأطلق عليها بعض الناشطين اسم “قصير دمشق” للدلالة على أهميتها للنظام وللثوار.
ويبدو إصرار النظام على السيطرة عليها واضحاً، فبعد فشل عملياته العسكرية من قصف وتدمير واقتحامات، قصف المعضمية في 21 آب/أغسطس 2013 بصورايخ تحمل رؤوساً كيماوية ليخلف 63 قتيلاً يومها، وعشرات المصابين، وكانت تلك الصواريخ تحمل غاز السارين نفسه الذي أطلقه على غوطة دمشق في الوقت نفسه، في دليل جديد على استماتة النظام في محاولة السيطرة على هذه المدينة، وبعد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية لدمشق وبدء لجنة مفتشي الأمم المتحدة بأخذ عينات للتحقق من استخدام الكيماوي كانت المعضمية هي المحطة الأولى في برنامجهم.
وتبعد المعضمية عن العاصمة دمشق 10 كم، ما يجعلها بوابة لدمشق ونقطة ربط ووصل بين العاصمة وريفها، عدا عن خوف النظام من عدم السيطرة عليها لقربها وإطلالها على مطار مزة العسكري الذي تطل عليه، ويقول الناشط “بهاء.م” إن امتلكت المعضمية السلاح الذي من المفترض أن يصل للثورا في سوريا من أميركا فإن هذا المطار سيكون في خطر، ومن المعروف أن هذا المطار من أهم المطارات وأكثرها استخداماً من قبل القوات السورية النظامية في عمليات دمشق وريفها.
نداءات واستغاثات
وجه المجلس المحلي للمدينة أكثر من نداء، وقال المجلس إن المعضمية حاليا سجن لأهلها، وعندما ينتهي موسم التين والعنب فلن تكون هناك سكريات أبداً للأطفال الذين يعانون من نقص التغذية.
وطالب المجلس الأمم المتحدة “بتحمل مسؤولياتها تجاه المدنيين المحاصرين في المدينة الذين يعيشون بلا كهرباء منذ 296 يوما وسط انقطاع الخبز والمواد الغذائية منذ أكثر من 250 يوما، مع نفاد “المؤونة” التي في البيوت، وغني عن القول إن الدواء غائب تماماً عن المدينة”.
وطالب أهالي المعضمية عن طريق المجلس المحلي للمدينة بدخول المنظمات الدولية الإغاثية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح تموت على الطرقات.
لم يتوقف القصف من الفرقة الرابعة على المعضمية ولا يوماً واحداً، ويتناقل أهل المدينة سؤالاً كلما أعلن نبأ وفاة جديدة “مات بالقصف أم مات جوعاً؟”.