أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (خاص)

قلّما اقترن اسم البرازيل، أو أي من دول أمريكا اللاتينية، بالهجمات الإرهابية المُنفذة من قِبل متطرفين ينسبون أنفسهم إلى الدين الإسلامي. إذ لم تشهد أمريكا اللاتينية أي هجوم إرهابي كبير منذ تفجيرات بيونس آيرس عام 1994، التي راح ضحيتها 85 شخصا إثر تفجير مركز الجمعية المشتركة اليهودية الأرجنتينية.

قد يبدو أن تلك الدول ليست ضمن اهتمامات المنظمات المتطرفة؛ وأن شبكة مقاتلي تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش – التي أوقعت هجماتهما ضحايا في خمس قارات مختلفة – لا تمتد إلى البرازيل وأمريكا اللاتينية. لكن ليس هذا ما تظهره تقارير الاستخبارات البرازيلية، التي أكّدت وجوداً ملحوظاً لسبعة تنظيمات إرهابية – دينية المرجع – في الساحة البرازيلية.

ما الذي تفعله القاعدة في البرازيل؟

التقارير أوضحت أن تلك المنظمات وعلى رأسها تنظيما القاعدة والإبن العاق داعش، لا تكتفي بالبرازيل وبالتخطيط لهجماتٍ فيها، بل تنوي التمدد إلى ما بعد الحدود، خاصة ضمن منطقة الحدود الثلاثية المشتركة بين الباراغواي والأرجنتين والبرازيل؛ المنطقة التي شهدت وفقاَ لتقارير مراكز بحثية وأجهزة استخبارات وجوداً  يستدعي القلق لأشخاص يُشتبه في انتمائهم للقاعدة وغيرها.  فكيف نجحت البرازيل ودول أمريكا اللاتينية في درء خطر الإرهاب عن أراضيها؟؟

المهمّة المستحيلة.. الناجحة

مخدرات، ومافيات جريمة منظمة، ومناطق حدودية ممتدة متداخلة: نعيمٌ يحلم به كل تنظيم إرهابي؛ تحدٍ شاق للجهات الأمنية. فعلى الرغم من مشكلة الحدود المتداخلة بين البلدان الثلاثة، الممتدة في منطقة عُرفت بتضاريسها المساعِدةِ على الإختباء. وعلى الرغم أيضاً من الكثافة السكانية المهولة في بلد هو الخامس على العالم في ترتيبي عدد السكان والمساحة، بتعدادٍ جاوز مئتين وأحد عشر مليون نسمة وفقا لاحصاء 2017. وعدا عن كثير من المشكلاتِ التي ينوء بها البلد من فقر وبطالة، وازدياد في معدّلي الجريمة والفساد. على الرغم من ما سبق كله، وتحديات أخرى متنوعة تواجهها السلطات الأمنية، إلا أنها كانت حريصة على أولوية مكافحة إرهاب التطرف الديني، ودأبت على اجتثاث بذوره قُبيل نباتها، لأن مزج التطرف الديني والإرهاب مع خليط المشكلات السابقة يؤدي إلى نتيجة حتمية واحدة: ألا وهي زوال البلد كليّا من على خريطة بلدان العالم المستقرة، كما حدث في أفغانستان بفعل تنظيمي القاعدة وطالبان.

ما الذي تفعله القاعدة في البرازيل؟

النجاح اللاتيني أتى نتيجة لوعيٍ عميق بأبعاد الخطر الكامن، ونتيجة لتعاون وثيق بين أجهزة الأمن البرازيلية واللاتينية على حد سواء، كما أن المنطقة تحظى بمتابعة مستمرة من استخبارات عدة دول متقدمة؛ حريصة على أمن البرازيل التي يرتادها أكثر من سبعة ملايين سائح سنويا، وتستضيف دورياً دورات عالمية منها دورة الألعاب الأولمبية التي نُظّمت عام الفين وستة عشر. تلك الدورة الرياضية التي أمّنها نحو مئة ألف شرطي، وأثبتت كفاءة الأمن البرازيلي باستباقه خططَ المتطرفين، بعد إعلان احباط هجوم إرهابي استهدف جماهير الدورة.

سبق ذلك بأشهر قليلة استحداثُ البرازيل عدة قوانين بشأن مكافحة الإرهاب، وتغليظ بعض العقوبات والإجراءات. كما شُرّعت قوانين أخرى متعلقة بالنشر والتعبير عن الرأي جرّمت تأييد أو نشر أفكار متطرفة. ثم شُدّدت الرقابة على التحويلات المالية، ووضع أشخاص كُثر تحت الرقابة المشددة، بينما مُنع آخرون من السفر أو الدخول.

ولعل أبرز اجراء اتخذته البرازيل حماية لأرضها من خطر الإرهاب تمثّل في التحوّل الصادم عن موقفها إزاء قضية اللآجئين السوريين. فبعدما استقبلت آلافاّ منهم بتأشيرات إنسانية، ومنحت اللجوء الكامل لآلاف آخرين، وتصريحات أوجينيو أراجاو، وزير العدل الأسبق، في سبتمبر عام ألفين وسبعة عشر التي قال فيها إن بلاده ستسقبل مئة ألف لاجيء سوري، أعلنت البرازيل أنها ستُوقف المباحثات الجارية لاستقبال السوريين! معللة ذلك بأسباب أمنية؛ إذ تخشى البرازيل من تكرار حالات انتحال متطرفي القاعدة وداعش لشخصية اللاجئين، وتسللهم ضمنهم؛ كما حدث في بقية الدول التي فتحت حدودها للسوريين، ثم أغلقتها أو ضيّقتها، حفظا لأمنها من الإرهاب الذي يلاحق السوريين أينما ذهبوا، ولم يكتفِ بتشريدهم عن وطنهم.

القاعدة في البرازيل: التعلق بقشة الغريق! 

تتشارك البرازيل حدوداً مع عشرة بلدان، هي موطنُ أكثر من مليون مسلم، وملايينٍ الفقراء الذين يعانون أوضاعاً معيشية تُقارب الإضطهاد. وفي ظل المشكلات الأمنية.. تغدو بيئة خصبة لنمو التطرف! ذلك ما شدّ أنظار ورحال مسؤولي التجنيد في المنظمات المتطرفة إلى دول أمريكا اللاتينية. فمع نشأة فكرة التطرف الديني – السياسي، وانتشارها من وفي مصر سبعينيات القرن الماضي؛ تنافست منظمات مختلفة سعيا إلى تأصيل أفكارها المتطرفة في المجتمع اللاتيني، ولاكتساب أتباع ومناصرين، ولتجنيد انتحاريين ومقاتلين.

ما الذي تفعله القاعدة في البرازيل؟

التطرف الديني وصل إلى البرازيل وأمريكا اللاتنية مبكرا، إذ أكدت تقاريرٌ استخباراتية عدة ظهور بن لادن، وخالد شيخ محمد – أحد ابرز قياديي القاعدة آنذاك – في منطقة الحدود الثلاثية منتصف التسعينيات. وأكدت الاستخبارات الأرجنتينية وجودهما في مدينة فوز دو إيغواسو الحدودية، بتنسيق من المدعو خالد تقّي الدين، وهو مصري يُعتقد أنه مرتبط بحركة الجهاد المصرية: إحدى المنظّمات الإرهابية السبع الواردة في تقارير الاستخبارات البرازيلية. وهي منظّمةٌ متشدّدة مسلحة، نشأت ونشطت في مصر في السبعينيات، ونفّذت آنذاك هجمات إرهابية عدة، فضلا عن محاولاتي انقلاب واغتيال فاشلتين. الواجب ايضاحه أن أيمن الظواهري – زعيم القاعدة – كان من أوائل المنتسبين إلى حركة الجهاد، قبل أن ينشقّ عنها، أو يلفظوه خارجها، وفقاَ لروايات متضاربة. والجدير ذكره أيضا أن المنظمة المصرية شاركت تنظيم القاعدة في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا و تنزانيا عام 1998.

البرازيل وجاراتِها طالما كانوا ضمن اهتمامات القاعدة، لكن في ظل التخبّط الذي شهدته القاعدة تحت إمرة الظواهري، وما توالى من انشقاقات، وما تواتر من تسريبات وشهادات أكّدت العلاقة الوطيدة للتنظيم مع إيران ومع منظمات أخرى يجاهِرهُا العداء، وغير ذلك من عوامل سحبت البساط من تحت أقدام القاعدة في مناطق نفوذه السابقة، في ظل ذلك اضُّطر التنظيم إلى محاولات بائسة لتعزيز وجوده في أمريكا اللاتينية. لعله يجد فيها عوضِاً عمّا فقده من أنصارٍ وأهداف، وماء وجه.

ما الذي تفعله القاعدة في البرازيل؟
فتاوى منحرفة في خدمة القاعدة

ترتكز أيدولوجيات التنظيمات المتشددة كافة على فهم انتقائي لنصوص دينية مبتورة، بعيداً عن مناط النصوص ومقاصدها. ويتفنن منظّرو القاعدة ومفتوهم في ابتكار فتاوىً دينية موجهةً تخدم رؤى التنظيم؛ فليس بمستغربٍ إذا ما تواتر مؤخرا من تقارير أكدت أن متطرفي القاعدة في البرازيل ارتموا في أحضان المومسات وتبنوا أبناءهن؛ سعيا إلى التخفي، ونيل الجنسية البرازيلية، من دون نسيان حظهم من متع الدنيا! وفي غمرة انغماسهم في الملذّات، يتناسى أعضاء القاعدة أن أعين الرقيب ترقبهم، لا يحول بينهم وبين الإعتقال سوى القوانين التي وضُعت حمايةً لحقوق الإنسان وحفظاً لحريته؛ فوفق تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى في الشرطة الفيدرالية البرازيلية: مقاتلو القاعدة معروفون لدى الأجهزة الأمنية، وكل تحركاتهم واتصالاتهم محفوظة، وأي بادرةٍ ستصدر منهم سيسبقها احتواء مباغت من قبل قوات مكافحة الإرهاب.

ما الذي تفعله القاعدة في البرازيل؟مصدر الصورة: Pulitzer Center

إقرأ أيضا: 
كيف فشل تنظيم القاعدة في البرازيل؟

كبير قضاة البرازيل يكشف لتلفزيون الآن مخططات داعش في بلاده