أخبار الآن | دمشق – سوريا – (قيس الدمشقي)

لم يكن خافيا ذلك الامتعاض الإيراني من التقارب التركي الروسي في الملف السوري والذي أدى إلى هدنة وإعلان لوقف إطلاق النار أيده مجلس الأمن، والتحضير لمفاوضات في الأستانة ربما ستكون هي الأوسع في حال انعقادها.

وعلى الرغم من التأييد الإيراني الخجول لإعلان وقف إطلاق النار، إلا أنه استنفر جميع الأجهزة الدبلوماسية والعسكرية والأمنية في طهران لقطع الطريق على هذا الإتفاق الذي قد يهدد جميع مكاسب إيران في سوريا جغرافيا وديموغرافيا وسياسيا.

ولم يكن أمام إيران الكثير من الخيارات، فهي لاتستطيع التحفظ أو الرفض علنا لأي شيء توافق عليه موسكو وتشارك في صياغته، ولايمكن لها اتخاذ خطوات حمقاء قد تنعكس عليها وتجد نفسها في مواجهة الحليف الأبرز في الحرب السورية وبالتالي تشجيع الشعب السوري على مواجهة قواتها وميليشياتها بشكل أوسع وأكثر فاعلية، بعد أن تبقى وحيدة في الميدان.

وبعد اجتماعات مكوكية في أروقة مراكز القرار، انحصر توجه طهران في العمل على صياغة خريطة طريق من شأنها التشويش على التقارب التركي الروسي وتوجيه ضربات استباقية لأي مفاوضات سورية لا تعد نتائجها طموحات إيران بالكثير.

وقد بدأت بالحلقة الأضعف من خلال نقل معلومات إلى النظام وصفتها إيران بأنها بالغة الدقة عن نية روسيا التخلي عن بشار الأسد والضغط عليه في مراحل متقدمة من المفاوضات للتنازل والتخلي عن منصبه فور بدء العملية السياسية في البلاد وترسيخ وقف إطلاق النار، وقد ذكرت مصادر مقربة من المباحثات التي أجراها وليد المعلم وزير الخارجية في طهران والذي رافقه علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي وذراع الأسد وبيت أسراره، بأنه تم إطلاع الوفد السوري على وثائق سرية تؤكد صحة المعلومات الإيرانية.

وبعد يومين فقط من زيارة المعلم طار إلى دمشق رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى علاء الدين بروجردي والتقى الأسد مطولا، وتمت مناقشة الأمر واستيضاح تلك المعلومات، كما تمت مناقشة الخطوات التي يمكن اتخاذها تحسبا لأي غدر روسي بالنظام الذي زادت مخاوفه بعد تقاطع المعلومات الإيرانية مع هواجس المقربين من الأسد نتيجة الجمل الملغومة التي قالها فلاديمير بوتين خلال اتصاله بالأسد مرتين بعد السيطرة على حلب، ومن هذه الجمل " الانتصار يفرض تسوية حقيقية وتنازلات قد تكون مؤلمة أحيانا لكنها ضرورية لتحقيق الحل الأمثل".

لكن الأسد يدرك أن اللعب مع روسيا هو لعب بالنار، وقد يطيح به عاجلا وليس آجلا، وفي الحسابات فإن اعتماده على إيران وحدها لن ينفعه بشيء خاصة وأن التقدم العسكري الذي انتشى به الأسد مؤخرا لم يكن ليحصل لولا روسيا.

وكذلك لا يثق بشار الأسد كثيرا بإيران وهو يعلم أنها تطمح بالنهاية للهيمنة الكاملة على البلاد وإبقائه مجرد ديكور وأسد بلا مخالب.

وقد كان الحل الأمثل بالنسبة للأسد هو وضع الجميع في مواجهة بعضهم مع الميل الحذر تجاه إيران وتأجيل المخاوف من روسيا إلى مراحل قادمة قد تحمل تغييرات جذرية.

وقد بدأت إيران مخططاتها بزرع الألغام في طريق الاتفاق الروسي التركي بتمرير خبر حول منع ميليشيا حزب الله للضباط الروس من الدخول إلى وادي بردى وتقصي الحقائق هناك، قبل أن تنفي موسكو ذلك على الرغم من تأكيدات المعارضة السورية لحدوث الأمر.

وبعد يوم واحد يعلن مصدر أمني رفيع في غرفة عمليات " حلفاء دمشق "  لوسائل الإعلام الرسمية في سوريا ونقلته وسائل الإعلام الموالية لإيران عن معلومات مفادها بأن تركيا أوعزت غلى جبهة فتح الشام " النصرة سابقا " إلى شن هجمات عسكرية وأمنية في أكثر من مكان بعد أن تلقت تدريباتها من ضباط أتراك موجودين في إدلب وغرب حلب، وذلك بهدف الضغط على روسيا وتحقيق مكاسب أكبر في الأستانة.

وتأتي هذه الألغام الإيرانية بالتزامن مع وجود بروجردي في دمشق والذي عاد في تصريحاته إلى نغمة الممانعة وأن دمشق هي الجبهة الأولى في الحرب ضد الكيان الصهيوني.

وإن كان الأمر مفضوحا بأهدافه الساعية إلى زرع إسفين في مرحلة بناء الثقة بين أنقرة وموسكو، إلا أنه يحمل دلالات خطيرة حول نية إيران والميليشيات الداعمة لها لتنفيذ عمليات أمنية وإلصاقها بالنصرة لتأكيد صحة مخاوفها وزعزعة الوضع السوري أكثر فأكثر للبقاء والسيطرة على هرم الفوضى في البلاد.