أخبار الآن | غازي عنتاب – تركيا (عماد كركص)

انتهى اليوم الثاني من زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تركيا، بعد ما وصل إليها يوم الإثنين في زيارة رسمية، قادماً من مصر بعد زيارة استغرقت خمسة أيام. وبحسب بيان للرئاسة التركية فإن "الزيارة التي بدأت الإثنين 11 نيسان/ أبريل ستستمر حتى 13 منه، سيُجري خلالها الملك محادثات مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" تتعلق بالعديد من القضايا التي تهم البلدين وعدد من الملفات الإقليميات والدولية"، قبل أن يتوجه الملك إلى إسطنبول للمشاركة في أعمال قمة منظمة التعاون الإسلامية التي بدأت في العاشر من الشهر الحالي وستستمر حتى الـ 15 منه، حيث سيشارك العاهل السعودي في محادثات اليومين الأخيرين من القمة.

وكانت الأنظار قد اتجهت إلى المجمع الرئاسي في أنقرة الثلاثاء، حيث استقبل الرئيس التركي أردوغان، الملك سلمان بن عبد العزيز وبحسب وكالة "الأناضول": "فإن الجانبين اتفقا بخصوص مواصلة المشاورات والتعاون المتعلق بالتطورات الإقليمية فيما بينهما، بالإضافة لتأكيدهما على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في كافة المجالات".

فيما تشير مصادر من أنقرة بأن الملفيّن: السوري ومحاربة الإرهاب، كانا على أولويات طاولة المباحثات بين الجانبين السعودي والتركي خلال الزيارة التي يصفها مراقبون بالتاريخية والاستثنائية.

جبل الجليد بين مصر وتركيا .. على الطاولة

وبالإضافة للملفات الكثيرة التي سيبحثها الجانبان خلال الزيارة، فإن العديد من الاستنتاجات أشارت إلى أن العاهل السعودية قد يأخذ دور الوسيط لتوطيد العلاقة بين تركيا ومصر التي انطلق منها إلى تركيا، في مسعى لتقريب وجهات النظر بعد قطيعة سياسية مستمرة منذ حوالي أربعة أعوام، إثر وصول المشير عبد الفتاح السيسي إلى الحكم فيما تسميه أنقرة "انقلابا على الشرعية".

وعن ذلك يقول الدكتور "مطلق المطيري" أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الملك سعود في الرياض لأخبار الآن: "حرصت المملكة منذ تولي الملك سلمان الحكم وضع ملف التقارب المصري -التركي في أولوياته، ودفع في هذا الاتجاه لتحقيق النجاح بهذا الملف، والجميع يعرف الاشكالية لم تكن سهلة وتصنف في قائمة القضايا الصعبة، وعلى هذا الاساس يتم التعامل معها وهي تتلخص بالأساس وكأنها قضية شخصية بين الرئيسين المصري والتركي، وغالبا مثل هذا القضايا تكون أدوات السيطرة عليها متوافرة، فالرئيس التركي لا يستطيع أن يلغي شرعية الرئيس المصري والرئيس المصري لن يرضى بأي شيء يكون أقل من الاعتراف بشرعيته، وإن تجاوز الرئيسين هذه الإشكالية سوف ترتب بقية المسائل بما فيها ملف جماعة الاخوان والاعتراف بها أو إعادتها للعملية السياسية في مصر، وذلك يحتاج لبعض الوقت وهذا ما أعتقد أن الرئيس التركي سوف يتفهمه".

السعودية وتركيا في الملف السوري: لا مكان للأسد

وعلق المطيري على الجانب الذي يخص انعكاسات الزيارة على الملف السوري بالقول: "السعودية وتركيا موقفهما من القضية السورية واحدة ويمثل بأن بشار الأسد لا وجود له في مستقبل سوريا وكذلك العمل على وحدة سوريا وعدم تقسيمها ويبقى السؤال كيف يتحقق ذلك؟، لن يتم ذلك إلا بتوافر إرادة دولية صادقة تتعامل مع قضية سوريا باعتبارها ثورة شعب وليس قضية إرهاب، وعلى الجانب السعودي والتركي أن يعملا معا على ضمان وجود الإطار السياسي لهذه الثورة حتى لا يتحول الوضع بالكامل لعملية محاربة الإرهاب وهذا يتطلب وجود برنامج تركي سعودي واضح وعملي لحل قضية الإرهاب في سوريا ومعالجتها بعيدا عن مطالب الشعب السوري، فالإرهاب لا يتطلع إلى إقامة دولة وطنية كاملة السيادة والحقوق بل الى خلافة أسطورية لا تعترف بالدول وشرعيتها فمشكلة الإرهاب مشكلة عالمية وثورة الشعب السوري قضية وطنية تحتاج لجهود اقليمية ودولية لضمان وجود السيادة الوطنية".

تعاون عسكري قادم

وعن احتمالية تعاون عسكري بين البلدين ولاسيما فيما يتعلق بهذا الملف، أضاف الدكتور المطيري: "التعاون موجود، ووجود طائرات سعودية في قاعدة "انجرليك" يعطي دلالة واضحة على أن المملكة تقف مع كل الاجراءات العسكرية التركية التي تتخذها لحماية حدودها، وكذلك هي إعلان عن جهوزية الطرفين التركي والسعودي عن التعامل عسكريا مع أي موقف طارئ يتطلب ذلك، وأعتقد أننا سوف نرى في الأيام القادمة تعاونا عسكريا أكبر مما هو موجود اليوم.

نقاط مشتركة .. ودعم للفصائل المعتدلة في سوريا

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي التركي "محمد زاهد غل" أن النقاط المشتركة بين تركيا والسعودية كثيرة حيال موقفهما من الملف السوري، وأضاف: نقاط الاتفاق المشتركة بين السعودية وتركيا هي في ضرورة إنهاء معاناة الشعب السوري، فبغض النظر عن الموقف من حق الشعب السوري بالاحتجاج على النظام الأسدي، فإن القمع الذي تعرض له الشعب السوري كان كبيرا وقاسيا وإجرامياً، ومن المؤسف أن الدولة الإيرانية وجيشها وحرسها الثوري وأحزابها الارهابية في المنطقة مثل حزب الله اللبناني قد شاركت في قتل الشعب السوري بغير رحمة ولا وجه حق، وهذا أمر لا يحتمل، فقد قتلوا أكثر من نصف مليون سوريا في الخمس سنوات الماضية، ولذلك لا حل في سوريا من غير نهاية عصر أسرة الأسد وظلمهم في سوريا، وإلا بقي الشعب السوري في ثورة مستمرة، وعدم تعاون المجتمع الدولي وبالأخص أمريكا بالتخلي عن الأسد هي المشكلة الكبرى، ولا بد من مواصلة إقناع اميريكا بضرورة الحل السياسي، والزيارة إلى تركيا ستؤكد على هذه المسألة".

وعن سؤال أخبار الآن للسيد "غل" عن ما إذا كانت هذه الزيارة ستأتي بنتائج إيجابية على الوضع الميداني داخل سوريا ولاسيما على صعيد دعم الفصائل، أجاب: "بالتأكيد إن الوضع السوري يشغل السعودية وتركيا كثيراً، وتلتقي الرؤيتين التركية والسعودية على دعم المعارضة السورية المعتدلة، بل ورفض المساعي الدولية لإضعافها، سواء كانت روسية أو أمريكا أو غيرها، ولذلك فإن هذه الزيارة ستزيد من فرص دعم فصائل المعارضة السورية المعتدلة، لأنها الممثل الحقيقي والأقوى لغالبية الشعب السوري".

وعن توقع تعاون عسكري محتمل بين البلدين قال السيد غل: "نعم، الاتفاقيات العسكرية الدفاعية بين السعودية وتركيا ستزيد بعد هذه الزيارة، ومؤشر ذلك هو حضور قيادات الأركان العسكرية لكلا الدوليتين في الاجتماعات بين الرئيس أردوغان والملك سلمان بشكل بارز وببزاتهم العسكرية، وتركيا دولة مشاركة في التحالف الإسلامي، وقد شاركت في مناورات رعد الشمال في الشهر الماضي، ولو بصورة رمزية، بسبب اعتبارات تخص عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي العسكري الناتو".

أما عن ما إذا كان الملك سلمان سينجح في تذويب جبل الجليد بين تركيا ومصر، التي قدم منها ويتوقع أن ضمن برنامج أهدافه هذا المسعى فقد قال السيد غل: "لو تم الاتفاق على وقف التصعيد في لغة العداء المصري ضد تركيا، وضرورة رفع المعاناة عن المظلومين في مصر، وبالأخص المساجين السياسيين بعد الانقلاب الأخير، لو تم ذلك لكان نجاحاً للملك سلمان، وهذا ممكن لأن السيسي سيستجيب للمطالب السعودية، وتخفيف المعارضة الشعبية لحكمه، والأرجح أن ينجح الملك سلمان في ذلك".

التمدد الإيراني جمع الطرفين

من جهته يرى الكاتب السوري "عماد غليون": "أن الخلاف بين الطرفين في الملف المصري قوياً رغم محاولات الاحتواء، بالإضافة إلى دعم تركيا لحركات الاسلام السياسي الناشئة وخاصة في دول الربيع العربي، والذي يعتبر مصدر خلاف إضافي بين الطرفين".

ولا ينفي غليون اتفاقهما في العديد من النقاط ولا سيما القضية السورية حيث أضاف: "تركيا والسعودية هما اللاعبان الأساسيان في المعادلة السورية إقليمياً لصالح الثورة السورية بعد خروج قطر من الملف السوري أو إخراجها، أي تقارب بين الطرفين يفترض أن ينعكس لصالح الثورة السورية والفصائل المسلحة للمعارضة".

وتابع غليون: "تمدد إيران في المنطقة وخوف البلدين على مصالحهما وأمنهما القومي جمع بينهما في هذه المرحلة ولكن ليس من الواضح أن التحالف بينهما سيتحول لاستراتيجي عميق ودائم، وقد تحدث مفاجآت في حال تغير المعادلة في المنطقة وتدخل أمريكا في شؤون المنطقة بشكل مختلف بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة".

الجدير ذكره أنه من المتوقع بأن تسهم هذه الزيارة في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، ففي نهاية العام الماضي 2015 وقعت السعودية مع تركيا أكثر من عشر اتفاقيات اقتصادية وسياسية وأمنية وسياحية، فضلاً عن توقيع صفقة شراء أسلحة تركية للسعودية قدّرت بعشرة مليارات دولار أمريكي، وربما ستحمل نهاية هذه الزيارة توقيع اتفاقيات وصفقات مماثلة.