أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)

لم تكن "بثينة" 37 عاما، لتتوقع يوما ما بأن تضطر لبيع أثاث منزلها بأبخس الأثمان بعد أن تعبت في جمعه لسنوات، فهي قررت الهجرة إلى إحدى الدول الأوربية لتستطيع أن تنجو بحياتها وحياة أبنائها من الحرب المدمرة التي تشهدها سوريا.

بثينة من معرة النعمان هي واحدة من آلاف السوريين الذين نزحوا تاركين ورائهم منازلهم وأراضيهم وجميع ما يملكون، تقول: "لم يكن لدي خيار آخر، فقد بعت جميع أثاث منزلي قبل رحيلي خشية أن يتعرض للسرقة وإن كنت قد بعته بسعر منخفض لاشك أننا سنعود يوما وسأشتري غيره".

وتضيف بأن هنالك الكثير من اللصوص ظهروا مؤخرا مستغلين الفراغ الأمني والأوضاع المضطربة ليسطون على المنازل التي غادرها أهلها ويقومون بسرقة كل شيء يستطيعون سرقته حتى الأبواب والنوافذ، وتردف بأن هذا الأمر حصل مع أسر عديدة.

تجارة الأدوات المستعملة بين البيع والسرقة

بيع الأثاث والأدوات الكهربائية والمنزلية أو سرقتها من المناطق الساخنة دفع الكثير من التجار لشراء هذه المواد وبيعها في محلات تجارية ضمن المناطق الأقل قصفا والأكثر أمنا من غيرها، باعتبار أن الحركة التجارية فيها نشطة على عكس غيرها من المناطق.

"أبو لؤي" 40 عاما، أحد تجار الأدوات المستعملة ولديه عدة محال تجارية في مدينة كفرنبل يقول: "هذه التجارة رائجة هذه الأيام، لوجود الكثير من النازحين في مناطقنا والذين بحاجة لمثل هذه الأدوات في المنازل التي قاموا باستئجارها مؤخرا باعتبارهم لم يصطحبوا من مناطقهم سوى أولادهم وأموالهم بسبب أن أسعار هذه الأدوات هي أرخص بكثير من الأدوات الجديدة وهذا ما يدفع الناس للإقبال على شرائها".

"أم محمد" 45 عاما، إحدى النازحات من ريف حماة إلى مدينة كفرنبل، تقول: "استطعت شراء كل ما يلزم من أدوات كهربائية ومطبخية بسعر 100 ألف ل.س فقط من إحدى المحلات في كفرنبل"، وقد أبدت سعادتها كونها وفرت على نفسها أضعاف هذا المبلغ إن هي قصدت محلات الأدوات الجديدة، وبرأيها أن الأدوات المستعملة التي اشترتها لا تختلف من حيث الجودة عن الأدوات الجديدة.

لكن ما هو رأي التجار إن كانت هذه الأدوات مسروقة، يجيب عن هذا السؤال "أبو وائل" 50 عاما، أحد تجار الأدوات المستعملة في ريف إدلب، فيقول: "أتوخى الحذر أثناء شراء الأدوات المستعملة، فلا أشتري من أشخاص مشبوهين لأنني ببساطة لا أريد مشاركتهم جريمتهم بالسرقة إن أنا اشتريت منهم هذه البضائع وقمت ببيعها"، ويوضح بأنه متفق مع تجار يشترون هذه البضائع من أصحابها بشكل مباشر ثم يبيعونها لتجار آخرين مثله هو، وهو مداوم على هذه التجارة منذ فترة كونها الأكثر إقبالا وشراء من قبل الناس في منطقته.

من جهة أخرى يؤكد "أبو محمد" أحد النازحين، أن هؤلاء التجار يستغلون الظروف كونهم يسعون لشراء هذه الأدوات بأسعار بخسة، بسبب حاجة الناس إلى بيعها بأقصى سرعة قبل مغادرة منازلهم ”على قول المثل الشعبي مصائب قوم عند قوم فوائد

في حين يبرر "أبو وائل" بأن التجار ليسوا مضطرين للشراء بأسعار مرتفعة لأنهم في هذه الحالة سوف تكدس بضائعهم ولن يقوم أحد بشرائها، فأوضاع الناس المادية متدهورة وليسوا قادرين على شراء بضائع مرتفعة الثمن وهم أنفسهم نازحين وغير مستقرين. كما ويشير أن التجار يشترون بأسعار منخفضة ويبيعون بأسعار منخفضة أيضا، وأرباحهم بكل قطعة منزلية لا تتجاوز 5%.

هذا ويسعى البعض ممن يقومون ببناء منازل لهم في عدد من المناطق الآمنة نوعا ما إلى شراء جميع الأبواب والنوافذ من محلات الأدوات المستعملة، وحول هذا الأمر يقول "خالد": "ذهبت لشراء أبواب ونوافذ لمنزلي الجديد ولكنني وجدتها غالية الثمن في حال تفصيلها عند الحداد، لأن سعر الحديد والألمنيوم قد ارتفع على ارتفاع الدولار، فقصدت محلات الأدوات المستعملة واشتريتها بمبلغ مقبول ووفرت في هذه الحالة أكثر من 200 ألف ل. س".

طغت هذه المحلات على مناطق ريف إدلب، حتى لم يبق مكان للأدوات الجديدة التي قل ما تشاهد في الأسواق، وهذا الأمر طبيعي بحسب "أبو سالم" أحد أعضاء المجلس المحلي في معرة النعمان، الذي يقول: "يرغب الكثيرون لشراء الأدوات المستعملة لرخص ثمنها ولأنهم هم أنفسهم ممكن أن يتخلوا عن هذه الأدوات ويرحلون يوما ما هربا من القصف، وفي هذه الحالة لا يأسفوا عليها باعتبار أنهم اشتروها بأسعار منخفضة".

دور الشرطة والقضاء في المناطق المحررة

ولكن ماذا عن هؤلاء الذين غادروا منازلهم ونزحوا بعد أن تركوها عامرة بالأثاث والأدوات المنزلية، ثم ليعودوا ويجدونها وقد جردت من أي أثاث وباتت تلعب فيها الرياح من كل جانب، كأسرة "أم محمد" التي عادت مؤخرا إلى منزلها بعد أن عانت مرارة النزوح والتشرد إلا أنهم لم يجدوا سوى جدران وسقف، فتتساءل أم محمد والألم يعصر قلبها: "ترى في أي منزل أصبح أثاث منزلي الذي سرق مني في يوم واحد بعد أن جهدت لجلبه لسنوات؟".

من جهته المقدم "فراس" أحد ضباط الشرطة الحرة في معرة النعمان، يقول: "نحن لا نتهاون أبدا مع اللصوص والسارقين، ونحاول بشكل دائم تكثيف دورياتنا الليلية لمنع حدوث السرقات، ولكن الذي يحدث أن هناك أشخاص محتالون يتظاهرون بأنهم أصحاب المنزل ويتذرعون باصطحاب بعض الأدوات ونقلها إلى مكان نزوحهم، ومع ذلك تحاول الشرطة الحرة التأكد من هويتهم ليكتشفوا لاحقا أنها هويات مزورة".

وقد ألقت الشرطة الحرة القبض على العديد من العصابات وحولتها إلى المحاكم الشرعية لينالوا جزائهم العادل بعد أن أعادوا المسروقات إلى أصحابها أو تعويض المتضرر من قبل السارق في حال تم بيع الأثاث لأناس غرباء.

أكثر من 35 مركزا لبيع الأدوات المستعملة في كفرنبل وحدها، وهذا العدد قابل للزيادة مع استمرار النزوح والحرب في سوريا.