أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (سونيا العلي)

الحرب التي قضت على كل شيء في سوريا، طالت معظم القطاعات ومنها القطاع الزراعي الذي يعمل به 17% من عدد سكان إدلب ويعتمدون عليه كمصدر أساسي في رزقهم وتحصيل لقمة عيشهم، حيث كشفت منظمة الأمم المتحدة للغذاء FAO مؤخراً عن التراجع الكبير في إنتاج سوريا من المحاصيل الزراعية لتتحول من الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى نقص في تغطية الطلب المحلي وقد قدرت خسائر القطاع الزراعي بـ 1.8 مليار دولار.

العمل الزراعي أكثر صعوبة وأقل مردودية

أدت الأزمات المتتابعة وتصاعد الأحداث التي تشهدها سوريا، إلى تراجع المحاصيل الزراعية إلى النصف، وتشكل إدلب جزءاً من هذا التراجع، فبعد أن كانت أراضيها تتصف بوفرة الإنتاج ومنبتاً لمختلف أنواع المحاصيل، بات فلاحوها يجهدون لزراعة أراضيهم في سبيل الحصول على قليل من المحاصيل التي يبيعونها لتلبية احتياجاتهم الأساسية، فيما هجر قسم منهم قراهم وبلداتهم ونزحوا إلى مناطق أكثر أماناً هرباً من القصف، كما ساعد على ذلك ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي والوقود إضافة إلى نقص اليد العاملة وضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، كل ذلك في ظل غياب المؤسسات الفاعلة المعنية بتحسين أمور الزراعة ما جعل الميزان الزراعي خاسرا لعدم تغطية الإنتاج للتكاليف.

محاصيل استراتيجية في دائرة الخطر

انخفض إنتاج المساحات المزروعة بالقمح في المناطق المحررة بنسبة كبيرة، وأصبح لا يكفي لتغطية الاحتياجات مما يهدد بخطر كبير كونه مصدر مادة الخبز، التي تعد القوت اليومي والغذاء الرئيسي للسوريين ما أدى إلى غلاء أسعارها.

المزارع "محمد الخطاب" 38 عاماً، من ريف إدلب، يترك مساحة كبيرة من أرضه دون زراعة، يتحدث عن أسباب ذلك قائلاً: "كنت أزرع أرضي معظم السنوات بالقمح نظراً لأهميته وكثرة الطلب عليه وضمان ربحه، أما بعد اندلاع الثورة فقد أصبح المردود لا يتناسب مع المصاريف التي أتكلفها بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المستلزمات الزراعية وتلاعب التجار بالأسعار، حيث يشترون الأسمدة والأدوية من تركيا أو من مناطق سيطرة النظام بأسعار زهيدة ويبيعونها بأسعار باهظة لتحقيق الأرباح مستغلين حاجة الفلاح، إضافة إلى احتراق مساحات واسعة  بفعل القصف المتواصل من قبل النظام الذي كثيراً ما يستهدف بصواريخه وقذائفه الأراضي الزراعية للانتقام من الأهالي وتجويعهم، إضافة لعدم وجود دوائر زراعية لتنظيم الزراعة وتقديم الدعم للفلاحين وغياب المؤسسات التي تقوم بشراء المحصول من المزارعين فنضطر لبيعه في السوق السوداء للتجار أو المطاحن. "

أما الزيتون، فقد تراجع إنتاجه أيضاً في ظل الحرب، حيث كانت إدلب في المرتبة الثانية على مستوى سوريا بعد حلب في زراعته من حيث الإنتاجية والمساحة المزروعة، والتي تقدر بنحو مائة وثلاثين ألف هكتار. وتعد هذه الزراعة مصدر الدخل الأساسي لمعظم سكان المحافظة ولكن إنتاجه تراجع 30% بسبب نقص الأسمدة وانعدام المبيدات وغلاء أسعار الوقود اللازم لتشغيل الآلات الزراعية وصعوبة النقل والتسويق بسبب انعدام الأمان وصعوبة التنقل بين المناطق من جهة وقصف النظام وحرقه وتقطيعه للأشجار من جهة ثانية .

وكباقي المحاصيل الأخرى، يعاني مزارعو "القطن" من صعوبات كبيرة نظراً لحاجة هذا المحصول للري بشكل كبير، لكن قلة المياه وغلاء أسعارها نتيجة ارتفاع تكاليف استخراجها بسبب انقطاع التيار الكهربائي وغلاء أسعار المحروقات جعل معظم الفلاحين يتخلون عن زراعته إضافة إلى نقص البذار والاعتماد على استيرادها من دول الجوار، وتوقف معظم المعامل التي تعتمد على القطن في صناعاتها لذلك بدأت تنحدر تدريجياً هذه الزراعة حتى وصلت عام 2015 إلى 10% ما كانت عليه سابقاً.

أما الخضراوات، باقي الزراعات المروية فقد عزف كثير من المزارعين عن زراعتها بسبب ارتفاع تكاليفها وكثرة متاعبها وشح المياه، واستعاضوا عن ذلك بزراعة المحاصيل "البعلية" التي تتحمل العطش مما جعل أسعار الخضار مرتفعة جداً وهي التي كانت طعام الفقراء.

مشاريع لدعم الزراعة في الشمال السوري

أطلق الهلال الأحمر القطري بغية تحريك عجلة الزراعة المنهارة مشروعاً تنموياً لدعم وتحفيز المحاصيل الزراعية في الشمال السوري، وخاصة "القمح" كونه مادة غذائية مهمة من أجل رفع إنتاجه إلى مستوى مقبول، أما أهداف المشروع فتتلخص في تشجيع الفلاحين على زراعة أراضيهم المتروكة دون زراعة وزيادة إنتاج القمح في المناطق المستهدفة للاعتماد عليه كمادة غذائية استراتيجية، وإيجاد فرص عمل لكثير من العاطلين في مجال الزراعة ومنع احتكار القمح بمناطق زراعته مما يخفف العبء عن الفلاح والانتقال به من مرحلة انتظار الإغاثة إلى مرحلة تنمية الموارد، وساعد هذا المشروع في توفير الخبز وجعله في متناول اليد.

مخاطر كبيرة تعترض القطاع الزراعي في ظل استمرار الحرب والحاجة أصبحت ملحة لتلافي حدوث كارثة إنسانية تهدد السوريين بالجوع الجماعي نتيجة ما لحق بالأراضي الزراعية ونظم الري من أضرار.