أخبار الآن | حلب – سوريا – (الأناضول)

مع تداول صور الدمار الهائل في حلب السورية جراء القصف الذي طالها من قبل قوات نظام الاسد والتنظيمات الإرهابية الأجنبية الموالية له، والطيران الروسي يستذكر سكان المدينة ومحبوها تاريخها العريق والذي شهد غزوها مرارا وعانت من دمار متكرر إلا أنها نهضت من جديد بعد كل مرة.

اقرأ أيضا:  ايقاف اجلاء المهجرين من حلب

حلب المعروف عنها بأنها أعرق مدن العالم، كانت آمنة وسعيدة ومزدهرة، قبل أن تضحى اليوم جريحة وشبه مدمرة بالكامل، بعد حصار وقصف مكثّف لنظام الأسد وحلفائه على الأحياء الشرقية بالمدينة التي تضم حلب القديمة، ما أسفر عن مقتل وجرح المئات ونزوح وتهجير الآلاف.

وتماما مثلما هو الحال بالنسبة لمعظم المدن القديمة، تختلف النظريات حول تسمية ونشأة حلب، غير أن الثابت هو أنّ المدينة ذكرت في العديد من المخطوطات والوثائق التاريخية القديمة، حتى أن البعض منها يقول إنها تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد.

كما تقول روايات أن نبي الله إبراهيم عليه السلام أقام بها.

أما اسمها فينحدر من الآرامية "حلبا" ويعني "الأشهب"، وهذا ما يفسّر تسميتها بالعربية بـ"الشهباء"، إشارة إلى لون الرخام الأبيض المتواجد بكثرة في المنطقة.

غير أن حلب التي كانت إلى وقت غير بعيد "شهباء" يغلب عليها البياض، اسودّت اليوم، وتحوّل بياضها الناصع إلى حلكة قاتمة بفعل القصف، وفقدت إشعاعها حتى غدت مجرّد تقاطع لشوارع مقفرة، وأنقاض متراكمة تنبعث رائحة الموت من كلّ شبر فيها.

الخراب والدمار غيّبا جميع التفاصيل الجميلة والعريقة لمدينة يعتبرها المؤرّخون مهدا للحضارات.

 ملتقى الحضارات

يعتقد المؤرّخون أن حلب هي أقدم مدينة في العالم، حيث كانت عاصمة لمملكة "يمحاض" الأمورية، قبل أن تتعاقب عليها العديد من الحضارات، مثل الحيثية والآرامية والآشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية والإسلامية.

حضارات بدت بصماتها واضحة في جميع التفاصيل الصغيرة للمدينة، من المعمار إلى التقاليد التي توارثها السكان عبر الأجيال.

إثر الفتح الإسلامي في 637 ميلادي، أخضعها الخلفاء الأمويون لدمشق، لتظل كذلك مع استثناء صغير صنعه عصرها الذهبي المقتضب الذي شهدته في القرن العاشر، حين غدت مع الموصل، عاصمة لحكم السلالة الشيعية لأمراء الحمدانيين"890- 1004م".

وكما منحها موقعها الاستراتيجي مزايا كثيرة، جعلها أيضا عرضة لبعض الضربات؛ ففي أوقات السلم، كانت مدينة مزدهرة آمنة، لكنها في الأوقات العصيبة لطالما كانت أرضا متنازعا عليها.

ففي عام 1260 ميلادي، احتلت المدينة من قبل المغول وتم تدميرها بشكل شبه كامل وعلى عدة مراحل وشمل ذلك التدمير مسجدها الأموي الكبير، غير أنها ستزدهر إثر ذلك في عهد صلاح الدين الأيوبي ثم في أوج الإمبراطورية العثمانية، والتي شكّلت، انطلاقا من 1516، إحدى جواهرها الثلاث بعد اسطنبول والقاهرة.

قطب اقتصادي

لطالما كانت حلب مدينة غنية، فهي تمتلك موقعا استراتيجيا عند تقاطع الطرق التجارية، أي بين بادية الشام والبحر المتوسط وجبال الأناضول وضفاف نهر الفرات.

توليفة كان لابدّ وأن تمنحها مزيجا نادرا من الخصائص، أبرزها مناخا معتدلا وطبيعة خضراء، والأهم أنها تشكّل محطة رئيسية في "طريق الحرير"، الشبكة القديمة لطرق التجارة بين آسيا وأوروبا.

ففي حلب كان يلتقي التجّار لتبادل المواد الأولية المتأتية من المناطق النائية في سوريا، أو المنتجات المستوردة، كما حظيت المنسوجات أيضا بمكانة محورية في اقتصاد المدينة.

أما صناعة الصابون وخاصة "صابون الغار" الذي تشتهر به، فتعود أصولها في المدينة إلى أكثر من 3500 سنة.. فهناك في حلب، تشكّلت ملامح أقدم صابونة في العالم، قبل أن تطمسها الحرب الراهنة وتعدم قطاعا له من الرمزية التاريخية ما يفوق بكثير إسهاماته في الناتج الإجمالي المحلي للبلاد على مدى قرون من الزمن.

حلب تتميّز أيضا بتراث هام ورثته بالخصوص عن الإمبراطورية العثمانية، حيث نافست مدينتها العتيقة، بمسجدها الكبير وقلعتها الشهيرة وسوقها، أبرز المعالم الأثرية في العالم، واحتلت مدينتها القديمة مكانا لها على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو".

موقع استراتيجي هام، وقطب اقتصادي محوري؛ ثنائية رشّحت حلب لأن تكون المدينة الأكثر إشعاعا في المنطقة.

غير أن إشعاع المدينة بدأ بالخفوت تدريجيا مع سقوط الإمبراطورية العثمانية، وتحت ثقل مركزية الدولة المستندة إلى القومية السورية، قبل أن تستعيد أمجادها في تسعينيات القرن الماضي، مستفيدة من الليبرالية الاقتصادية حينها.

وبحسب الباحث الفرنسي المختص في شؤون سوريا، فابريس بالانش، وهو أستاذ بجامعة ليون 2 بفرنسا، فإن حلب والمناطق التابعة لها شهدت طفرة اقتصادية نوعية في العقد الماضي، وخصوصا في عام 2007، مع توقيع اتفاقات اقتصادية إقليمية مع تركيا الجارة.

جملة من المعطيات جعلت منها عاصمة اقتصادية حقيقية لسوريا، قبل أن تصبح ميدانا للصراع بين المعارضة والنظام وتقسم شرقية وغربية بينهما.

تعايش ديانات

أعلنت منظمة "يونسكو" حلب عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2006 وذلك باعتبارها واحدة من أهم المدن الإسلامية ذات المكانة في التاريخ الإسلامي ونظمت احتفالية كبيرة على مدار العام بهذه المناسبة.

المؤرخ الأمريكي فيليب مانسيل، كتب يقول في كتاب له بعنوان "حلبو: صعود وأفول المدينة التجارية الكبيرة في سوريا": "حتى 2012، كانت حلب تتميّز بطابعها السلمي، فلمدة 500 سنة، تعايش سكانها بشكل سلمي بغض النظر عن أصولهم".

المؤرخ ذكر أنه في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني "1494- 1566م"، دارت مناقشة بين أعيان مدينة حلب عما إن كان ينبغي طرد اليهود منها، فكان أن قرر المجلس، وبالإجماع، أنه سيحافظ على التنوّع الديني للمدينة.

ثم، وعقب استقلال سوريا في 1946، بقي في حلب قرابة ألفي يهودي، قبل أن يخرجوا منها تدريجيا.

المسيحيون، من جانبهم، كانوا أغلبية في حلب حتى القرنين الحادي عشر والثاني عشر ميلادي، وفق المؤرخ الفرنسي برنار هايبيرجير.

المؤرخ أوضح في إحدى مؤلفاته أن "الكثير من المسيحيين كانوا يعيشون مع المسلمين في الحي نفسه وحتى الشارع ذاته".

ولفت إلى أن المسيحيين كانوا يمثلون 25% من سكان المدينة بين القرن الثامن عشر وأوائل القرن العشرين. أما اليوم، فيتراوح عددهم، بحسب التقديرات، بين 160 ألف إلى 20 ألفا.

ولا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد سكان المدينة حالياً بعد نزوح عدد كبير من سكانها جراء الصراع وانعكاسه على الاقتصاد، إلا أن عدد سكانها قبل الأزمة كان يبلغ حوالي 2.3 مليون نسمة، بحسب إحصائيات شبه رسمية.

واليوم كذلك، يرحل من تبقّى على قيد الحياة من سكان الأحياء الشرقية بالمدينة، فارين من جحيم القصف ومشاهد الدمار التي أضحت السمة الوحيدة البارزة فيها وسط الأنقاض.

وكانت المعارضة السورية وروسيا توصلتا  بوساطة تركيا، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حلب، يفضي إلى إجلاء جميع المحاصرين في المدينة، إلا أن النظام والتنظيمات الإرهابية الأجنبية الموالية له خرقت الاتفاق واستهدفت بالقصف الأحياء المحاصرة، ليعود وقف إطلاق النار.

إقرأ أيضاً: كيري يحذر من سربرينيتسا جديدة في حلب

الإمارات تطالب بالوقف الفوري للهجمات الانتقامية تجاه الشعب السوري