أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)

النقطة "11" هو اسم المراكز الأمنية لـ "داعش" في مدينة الرقة مهما تعددت أماكنها واختلفت؛ هو في الأصل موقع لأحد الأبنية الحكومية في المدينة قبل أن يحوله داعش إلى ثقب أسود يمتص كل مَنْ لا يسير على صراطه المستقيم.

فالاسم الذي كان يشير إلى مكان محدد تحول إلى رمز يدل على كل الأماكن التي يتعرض فيها مخالفي داعش إلى التعذيب والتغييب والتصفية.

المقر الأمني

تعرض أول مبنى "للنقطة 11" إلى استهداف طيران نظام الأسد عشية إعلان قيام ما سُمي وقتها "الدولة الإسلامية في العراق والشام" لينتقل جهازها البشري إلى مبنى آخر، مبنى القضاء العسكري، الذي قصفه نظام الأسد مُجدداً بصاروخ سكود، ليتحول في الفترة الماضية إلى المباني والأقبية الملحقة بالملعب البلدي "الملعب الأسود" في المدينة، وهذا تعرض بدروه إلى غارة من قبل طيران التحالف قبل بضعة أيام قتل فيها بعض أفراد التنظيم، كما شاع خبر هرب عدد من المحتجزين داخله، وفي الأحوال جميعها ظل أهالي الرقة يطلقون على مقر الجهاز الأمني لداعش اسم "النقطة 11".

شيوع اسم النقطة 11 بين أبناء الرقة، إشارة إلى المقر الرئيسي المعروف لجهاز الاستخبارات الداعشي، لم يعنِ أنها مقر الاحتجاز الوحيد لديه؛ إذ توجد عدة مقرات احتجاز وتعذيب أخرى، هي جميعاً أبنية حكومية بدَّل التنظيم وظائفها وأسمائها بما يلائم خطابه وممارساته.

كما أن أمير داعش في الرقة يشرف على سجون صغيرة متعددة داخل المدينة وهي غالباً شقق عادية يُسجن فيها أشخاص يُحقق معهم في مسائل معينة هامة أو قيادات داعشية ترتكب مخالفات في عُرفهم.

أما صيت النقطة 11 المرتبط بالرهبة والألم فيأتي مما يُمارس فيها من صنوف تعذيب وإذلال المعتقلين لاستخلاص المعلومات منهم قبل الإفراج عنهم في بعض الحالات، ومما يليها من أشكال التصفية المبتكرة المتعددة والمتنوعة في أغلب الأحوال، عبر ما شاعت تسميته بـ"الإصدارات".

ولهذا تبقى المعلومات المؤكدة والآنية عما يجري داخل أقبية النقطة 11 شحيحة قياساً إلى أعداد مَنْ خطفهم وغيَّبهم التنظيم منذ نشأته.

"ح. ع" سُجن لدى داعش مدة تتجاوز الخمسة عشر يوما، يذكر: "لم أعرف جغرافيا المكان وموقعه. كان العنصر الداعشي يأخذني مرة لقضاء حاجتي ويقدم الطعام القليل، ثم يقوم بضربي بشدة مرتين في اليوم، وباقي الوقت يجب أن أقوم بممارسات العبادة منتظرا اليوم التالي. خرجت بعد أن عرفت أني مختطف كرهينة بينما يفتشون عن أخي الناشط الإعلامي الذي هرب منهم إلى تركيا".

دوائر الرعب

إلّا أن ما تسرب من داخل مصانع الموت الداعشية هذه في محافظة الرقة، سواء عبر منشقين عنه أو عبر أشخاص اُعتقلوا ثم أطُلق سراحهم يكفي لفهم دور النقطة 11 بالنسبة للتنظيم وطبيعة عملها ومنتسبيها وكيف تحولت في أذهان الأهالي إلى رمز للقهر ومكان مرهوب وبرزخ بين عالمين.

لكن ذاكرة الرقيين، والسوريين عامة، تحتفظ بأسماء عدد من الأماكن المماثلة في صيتها السيئ وإحالتها إلى الخوف والغياب والعذاب والموت، أماكن تنتمي إلى عهد ظنوه يتآكل اليوم.

فتدمُر وصيدنايا والمزة هي في الأصل أسماء لبلدات سورية، لكن أسماءها ارتبطت بسجون قائمة فيها؛ سجون فاق ما مُورس فيها من تلذذ وتفنن بالتعذيب والقتل ما يكفي لتنال ما تحظى به اليوم من ذيوع السمعة في العالم كله، فتغلب الرمز على الواقع، وتغلبت صورة السجن على البلدة الفعلية؛ تحول الاسم مجرداً من أي إضافة تسبقه إلى فكرة مكتملة في العقول قوامها النفور والتوجس وقشعريرة الرعب.

هذه السجون تحولت في عهد البعث، وزمن السلالة الأسدية تحديداً، إلى مصانع لتحطيم إرادات البشر وكراماتهم وتحويلهم إلى ركام عاجز من أفراد منخورين مهزومين أو طُلاب ثأر حاقدين منتقمين؛ ولعل أبرز ما أنتجته في هذا السياق هم أمراء داعش الرقيين.

يروي أحد الناجين من سجون داعش، وهو ناشط في الثورة السورية لا نستطيع ذكر اسمه، أن أحد مؤسسي داعش في الرقة، وكان وقتها "قاضٍ" فيه، قال لمحتجزين لديه بعد "حفلة" تعذيب: "لم تروا إلا القليل مما رأيناه في صيدنايا".

ولا يبدو أن كلمات القاضي الداعشي هذه مجرد لمعة خرجت من ذاكرته بفعل الموقف بقدر ما هو منهج يمارسه أمنيو داعش يومياً، منهج يصدر عن أفراد مهووسين بإيذاء الآخر وإلغاءه.

قتلة لم يجدوا مَنْ أو ما يردعهم عن تحويل مناطق شاسعة من سورية والعراق إلى جحيم يومي لسكانها. قتلة يصل هوسهم بالسلطة واستهانتهم بحيوات البشر حداً يمنعهم من التفكير قليلاً في سؤال: ماذا لو؟ ماذا لو انقلب الحال؟ فلا يخطر لهم ببال أن طالب ثأر آخر ربما سيواجه أحدهم في المستقبل في قبو للتعذيب فيقول له "لم تر شيئاً مما رأيته في النقطة 11".