أخبار الآن | الرقة –  سوريا (عزام الحاج)

يقول تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" ومنظمة "أنقذوا الأطفال" نُشر في 2 تموز 2015 الماضي أن "2.7" مليون طفل سوري هم "خارج المدرسة" الآن، ما يعني أن جيلاً سورياً كاملاً سيكون أمياً أو ذا تحصيل معرفي متدنٍ، وهذا بدوره سينعكس على الجيل اللاحق الذي سيُنشئه هذا الجيل.

إلّا أن مشكلة تعطل مؤسسة التعليم السورية ليست الصعوبة الوحيدة أمام هذا الجيل السوري، بل هي مظهر واحد من مظاهر فشل الدولة وتفتت سيادتها وظهور قوى تنظيمات أهلية ومناطقية دون المستوى الوطني الجامع تساهم بدورها في خنق هذا الجيل وإخراجه عن سكة مستقبل ناجح لأفراده وللبلاد.

ومدينة الرقة، التي تكاد تخلو اليوم من سكانها حيث هجرها حوالي 60% من سكانها، تقدم مثالاً مركباً ومركزاً ليس لأزمة الجيل السوري الحالي وحسب، بل لكل مشكلات انهيار الدولة ومؤسساتها أيضا، كما لظهور قوى بعصبيات مختلفة ومتنابذة جعلت من الأطفال السوريين ساحةً لصراع وتنازع إراداتها وأجنداتها.

التعليم تحت إدارة "الوحدات الكردية"

يعيش مَنْ بقوا في بيوتهم من سكان محافظة الرقة اليوم في ظل هيمنة نوعين من قوى الأمر الواقع، ولكل منهما أجندته الخاصة العابرة للمجتمع السوري، ولكل منهما فلسفته السياسية والاجتماعية التي يحاول فرضها بالقوة على السكان في مناطق سيطرته.

ففي شمال الرقة، أي، منطقة تل أبيض المحاذية للحدود السورية التركية تسيطر "وحدات حماية الشعب" الكرديى، وهو اسم يخفي ورائه تنظيم حزبي هو حزب الاتحاد الديمقراطي وهذا بدوره فرع حزب العمال الكردستاني التركيPKK . وهذا الحزب ينتمي إلى فصيلة الأحزاب القومية الاشتراكية التي ظهرت في أوربا في بداية القرن العشرين وحكمت في بعض البلدان الأوربية، إيطاليا وألمانيا مثلاً، في فترة ما بين الحربين العالميتين، ثم ظهرت نسخ مقلدة منها في معظم بلدان العالم الثالث كحزب البعث في سورية والعراق وحزب العمال الكردستاني هذا ونسخته السورية. وما يهمنا في هذا السياق، أن هذه النوع من الأحزاب يتميز بنوع من العنصرية تجاه المجتمعات، إذ تعتبر هذه الأحزاب أنفسها طليعة حديثة تتقدم مجتمعاتها وتدرك مصالح هذه المجتمعات أكثر من باقي أفرادها، لذلك مارست هذه الأحزاب وتمارس هندسة اجتماعية ضد أفراد ومجموعات لا توافقها الرأي وصلت إلى حدود الإبادة الفكرية والجسدية. وهذه القدرة على والرغبة في هندسة المجتمعات تتيح لحزب الاتحاد الديمقراطي هذا أن يختطف مراهقين ومراهقات من بيوتهم ويدخلهم في معسكرات تدريب على القتال ليحولهم إلى أفراد في ميليشياته؛ كما تتيح له فرض لغته القومية على أفراد ينتمون إلى الأكثرية القومية في البلاد، كما يحدث اليوم في سورية. وكذلك تجعله قادراً على وراغباً في فرض فلسفة مناهج تعليمية متخلفة تنمي عبادة الفرد وتصوغ تاريخ المجتمعات والشعوب وفق رؤية حزبية ضيقة ومتهافتة. واليوم يفرض "الحزب"، كما يسميه السكان المحليين، تعلم اللغة الكردية على "طلاب الصف السابع والثامن والتاسع" إلى جانب المنهاج السوري الصادر عن وزاة التعليم السورية، حسب ما أفاد أحد المعلمين في المنطقة.

وتحت حكم داعش

وليس حال بقية سكان محافظة الرقة، المدينة وأريافها الغربية والجنوبية والشرقية، في ظل حكم تنظيم داعش الإرهابي أحسن حالاً. فالتنظيم أعد مناهج مدرسية خاصة به أيضاً، ألغى منها علم التاريخ والفلسفة مثلاً، وأكثر من المواد المتعلقة بقضايا دينية وفقهية ذات صبغة مذهبية مغلقة وجامدة. وأخطر ما في هذه المناهج هو التركيز على "الجهاد" وما يتصل به من قضايا وممارسات تحض على العنف وكراهية الآخر المختلف والتقوقع على الذات. لكن خطوة التنظيم هذه ما تزال حتى يومنا هذا معلقة في الهواء، فالمدارس في مدينة الرقة وقراها تكاد تخلو من التلاميذ، وأعداد المعلمين والمعلمات المُستتتابين يفوق عدد الطلاب المداومين.

يقول "أبو أحمد"، الذي خرج منذ فترة قريبة من الرقة قاصداً مدينة أورفا التركية: "أولادي لم يذهبوا إلى المدرسة منذ عام 2012. لا أطيق أن يكونوا بلا تعليم، ولكني لا أريد لهم تربية داعشية. أحاول أحياناً تعليمهم في البيت عندما تأتيني الهمة، أتمنى أن أجد لهم فرصة تعلم هنا".