أخبار الآن | – خاص – (عزام الحاج)

كان موقع "أخبار الآن" قد نشر تفاصيل ووقائع اغتيال السيدة "غ. ف" من الرقة على يد  داعش انتقاماً من زوجها الذي يقاتل في صفوف الجيش الحر. إذ كان أقارب السيدة المقتولة قد بادروا إلى الاتصال بمراسل الموقع وتقديم تفاصيل الحادثة كاملة.

حكم يدخل موسوعة غينيس

وفي المقابل كانت حملة "دير الزور تُذبح بصمت" قد نشرت يوم الاثنين الماضي، 2 تشرين الأول 2015، في موقعها على الانترنت خبرا تقول فيه: "قام عناصر من داعش بجلد ثلاثة أخوة من مدينة الميادين بشارع الأربعين الواقعة تحت سيطرته، حيث جُلدوا مئتي جلدة لكل منهم، فيما أعلن عناصره أن محكمة داعش قد حكمت عليهم بالجلد بمليون ومئتي ألف جلدة، أربعمئة ألف جلدة لكل منهم، وأن ذلك سوف يتم على دفعات، وبأنهم سوف يجلدون مئتي جلدة بكل دفعة". حكم أصدره قضاء داعش في سابقة قد تُدخله موسوعة غينيس للأرقام القياسية في عدد الجلدات، لكنها تضعه في أعلى ذروة التنظيمات الانتهازية والمجرمة دون شك.

الحكم هذا جاء نوعاً من المسايرة لعرف قبلي شائع في الكثير من مناطق سورية وهو القتل "غسلاً للعار" أو القتل بدافع "الشرف". أي قتل الأخت، غالباً، في حال ثبت عليها ما يخلّ بالأخلاق قبل أو خارج الزواج.

الأشقاء الثلاثة كانوا قد قتلوا شقيقتهم في العام 2010، أي قبل اندلاع الثورة السورية وقبل تطفل داعش عليها واحتلاله لأجزاء من سورية وترسيخه لمبادئ العنف والإرهاب اليومي.

لكن "أحد أبناء منطقتهم أثار القضية من جديد لدى داعش"، في عملية تنافس وتناحر عشائري على ما يبدو، حيث يسعى بعض الأفراد، في محاولتهم كسب رضا قوى الأمر الواقع "فسافيس" بلغة الشارع السوري، أي مخبرين ومرشدين لهذه القوى، في تبيّن نقاط ضعف الناس وتصيد أخطائهم من أجل المزيد من السيطرة والتحكم.

داعش واستثمار الخوف

لكن وفي الحالتين، في حالة اغتيال السيدة "غ. ف" وحادثة حكم الجلد على الأشقاء الثلاثة، فإن داعش يلعب لعبة نفسية ويوهم السكان المحليين بالدفاع عن الشرف في الحالة الأولى وعن إحقاق الحق في الحالة الثانية. وأغراضه الحقيقة هي الانتقام السياسي في الأولى وإرهاب الناس في الثانية. وفي الحالتين، فإن المرأة هي الملعب الأساسي. ففي حين وجه رسالة دموية إلى زوج السيدة الرقاوية وزاد في غيّه بإن اتهمها في شرفها، فقد انحاز إلى طرف عشائري في الحالة الثانية لحساب طرف آخر.

إلّا أن "جريمة الشرف"، في حد ذاتها، تطرح تحدياً ثقافياً وقانونياً وحقوقياً ملمومساً على المجتمعات المحلية المعنية بغض النظر عن وجود داعش وعن استثماره في خوف الناس منها.

وتعليقاً على حادثة دير الزور هذه يقول الدكتور "عبد الرحمن الحاج"، الخبير المتخصص في شؤون الجماعات المتشددة: "إن جريمة الشرف مفهوم ثقافي .. متعلق بفكرة إزالة العار، ولا علاقة له بالدين ولا بالشريعة، بل هو مناقض لهم تماماً وفق لما للفقه الإسلامي القديم والحديث". ويؤكد أن قوانين البلاد العربية عموما "تعطي لجرائم الشرف عقوبة مخففة مراعاة للقاتل في غسل العار، وهو أمر يناقض الشريعة وحقوق الإنسان".

ويرى د. الحاج أن داعش يفعل ما تفعله "القوانين المتخلفة في إباحة دم المرأة، و"تخفيف عقوبة" قاتلها، مسايرة لواقع المجتمعات. كما يشير أن "لا أصل لعقوبة الجلد في معاقبة مرتكبي جريمة الشرف، هؤلاء مجرمون جريمة كاملة عقوبتها عقوبة جريمة القتل تماماً". الأمر الذي يؤكد أن داعش، وعبر شرعييه، إنما يمارس لعبة مزدوجة: يراعي الأعراف القبلية في موضوع التسامح مع القتلة، لكنه يعاقب القتلة بالجلد لمسايرة طرف عشائري منافس يتودد إلى التنظيم بالوشاية.

يبقى أن اللعبة الأكبر التي يمارسها التنظيم الإرهابي هي محاولة تطويع المجتمعات الخاضعة لحكمه بغض النظر عن الأدوات والآليات التي يستخدمها، سواء كانت نابعة من أعراف قبلية قديمة أم من تفسيرات استنسابية للشريعة؛ فالثابت الأكبر في جميع الأحوال هو توسل هذه الأدوات والآليات كأدوات وآليات أمنية في سبيل فرض هيمنة مطلقة وشمولية على الناس.