أخبار الآن | برلين – ألمانيا (يوسف شواف)

لم تعد الخيارات كثيرة أمام الشعب السوري فالموت يلاحقهم في كل مكان بعد أربع سنوات من المعاناة والألم زادت الصعوبات والمعاناة وأثقل كاهل الشعب السوري خصوصاً بعد فرض إجراءت وقيود قاسية على دخول السوريين إلى بعض الدول ولم يعد أمام الكثير ممن خسروا منازلهم وحياتهم وأقربائهم سوى البحث عن بديل ومكان أمن ليتابعوا حياتهم من جديد.

مؤخرا زاد أعداد السوريين الهاربين من القتل في ديارهم فلم تعد الطائرات والقصف التي إعتاده السوري هي من تقتل فحسب بل أصبح الوضع أكثر خطورة مع إنتشار تنظيمات إرهابية على رأسها تنظيم داعش والذي بات يمارس جرائم وإنتهاكات بحق الأهالي في المناطق التي يسيطر عليها.

هذه التنظيم إنتهكت وإعتقلت وخطفت العديد من المدنيين والناشطين وقيادات الجيش الحر لا تختلف عن ممارسات النظام، أمام هذا الأمر لم تعد المناطق المحررة كما كانت بعد خروج القوات التابعة للنظام منها وتحولت إلى مناطق أشبه بسجون كبيرة في ظل سيطرت هذه الجماعات الإرهابية، هنا بدأت موجة لجوء ونزوح جديدة سواء إلى دول الجوار والتي بات الدخول إليها أشد صعوبة من قبل أو البحر للوصول إلى أوروبا.

أبو زين لاجيء سوري وصل ألمانيا تحدث لأخبار الآن عن تجربته في رحلة الموت كما وصفها : "إنطلقنا من مدينة مرسين التركية بعد إتفاق مع أحد المهربين إنتظرنا لمدة أسبوع في مرسين وبعد عناء ومعاناة إنطلقنا من مرسين أواخر شهر سبتمبر عام 2014 على متن قارب صيد صغير يسمى (فلوكة) يتابع أبو زين حديثه كنا أكثر من 100 شخص بيننا 25 طفل و20 إمرأة جميعا يخاطر بحياته للوصول إلى إيطاليا، خلال الرحلة نشب حريق في القارب الصغير نجحنا من السيطرة عليه وكانت أول العلامات عن خطورة الرحلة وصعوبتها وبدأ الخوف يتسلل إلى قلوبا أكثر مع الإبحار، نجحنا في عبور المرحلة الأولى من الرحلة وصلنا إلى قارب صيد أكبر يعرف بإسم (الجرف) إنتقلنا إليه وبدأت المرحلة الثانية من رحلتنا.

يتذكر أبو زين تلك اللحظات الصعبة يأخذ نفسا قبل أن يتابع قصته لم أكن أصدق أننا وصلنا بسلام لم أتوقع أن تكتب لنا الحياة من جديدة شعرت وكأنني ولدت عندما وصلنا إيطاليا وكأن أبوزين لا يريد حتى أن تتعب ذاكرته تلك المرحلة الصعبة ورحلة الموت.

يعود لمتابعة قصة رحلته في القارب الثاني الذي تم نقلنا إليه بدأت معاناة منذ وصولنا إليه كانت الرائحة كريهة جدا ومقرفة لأنه قارب مخصص لصيد الأسماك وأصيب الكثير منا بدوار البحر وبدأ الجميع يتقيأ بقينا في الجرف خمسة أيام بعدها تفاجأنا أننا قرب السواحل المصرية وقفنا قبالة المياه الإقليمية المصرية حتى حل الليل وتم نقلنا إلى يخت سياحي طوله حوالي 18 إلى 20 متر وكأن كل معاناتنا إنتهت لحظة إنتقالنا لهذا اليخت الفاخر لم نكن نعلم بأن القادم هو الأسوأ.

بدأت المرحلة الثالثة من رحلتنا إلى إيطاليا في اليرم الأول من الرحلة كان البحر هادئا جلسنا في مقدمة اليخت نمزح ولا نصدق متى نصل بر الأمان وشعر للحظان أننا في رحلة ولسنا في مخاطرة للوصول إلى بر الأمان سأل أحد الأصدقاء ممازحا هل هذا هدوء ما قبل العاصفة رغم محاولة إقناع أنفسنا أن المخاطر إنتهت إلا أن الحقيقة كانت هذه المخاوف في داخلنا ولم تفارقنا كنا نحاول أن نواسي أنفسنا أن المخاظر إنتهت ولم تكن مجرد مزحة أو سؤال كانت تعبيرا عن ما نشعر به جميعا وعن الخوف الذي لم يفارقنا منذ إبحارنا.

يضيف أبو زين بالفعل كان هدوء ما قبل العاصفة لم تمض ربع ساعة حتى بدأ البحر يتغير وبدأ الأمواج ترتفع وظهرت حالة الخوف التي كنا نخفيها ظهرت بوضوح في عيوننا أظهر كابتن اليخت وهو شاب مصري شجاعة كبيرة في محاولة لإنقاذ العشرات من الغرق وصارع العاصفة ليوم كامل وبعد ذلك قال لم يعد لدينا خيار سوى الإتصال بخفر السواحل المصرية لإنقاذنا من الغرق.

أرسل القارب نداءات إستغاثة وصلت نداءات الإستغاثة وكانت طائرة مصرية تحلق لساعات فوقنا وعند منتصف النهار أرسل إلينا بارجة مصرية كنا نحاول أن نطلب منها النجدة نساء وأطفال على سطح اليخت يلوحون للبارجة كانت على بعد 150 متر منا فقط مروا بالقرب منا اربع مرات في المرة الاخيرة أطلقو علينا ستة طلقات تحذيرية وتابعو طريقهم غادروا وغادرت معهم أمالنا بالحياة.

توقفت قلوبنا ولم يعد أمامنا خيار سوى الدعاء لله أن ننجو من الغرق ثلاثة أيام لن أنساها ما حييت واجهنا الموت والموج العالي وصل إرتفاع إحدى الأمواج 18 مترا تسربت المياه إلى اليخت كنا نتعاون جميعا لإفراغ المياه من اليخت كي لا نغرق نجحنا في الصمود أمام هذه العاصفة القوية هدأت لكنها لم تنته بقينا بعدها نحو يومين نبحر حتى دخلنا المياه الإقليمية الليبية وفي صباح اول يوم في المياه قبالة ليبيا تفاجئنا بغواصة كانت تراقبنا بقيت لساعات تراقب تحركنا تابعنا المسير وإختفت الغواصة بعد يومين جاء جرف صيد مصري يحمل معه حوالي 200 شخص قادمون من مصر بينهم أفارقة وأطفال وشباب مصريين تم نقلهم إلى قاربنا وبعد منتصف الليل عثرت عيلنا البارجة الإيطالية (maestrale (F570 في الصباح تم نقلنا جميعا إلى البارجة الإيطالية بقينا فيها ثلاثة أيام>

وبعد إنتهاء البارجة من نقلنا إليها عادت بنا إلى الشواطىء الايطالية في جزيرة صقلية (سيسلية) لم نصدق أننا وصلنا كانت الأمراض قد أصابت معظمنا والإنهاك والتعب الشديد طال الكثير منا لكن رغم كل ذلك لم نكن نصدق أننا وصلنا بسلام أننا ولدنا من جديد كنت أنظر إلى عيون الناس الجميع بدأ بالإتصال بأهله وأقربائه ليطمئنهم أنه وصل بسلام.

يضحك ابو زين قبل أن يختم حديثه وهو يقول : "بتصدق لهلق مو مصدق إنو وصلت الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا".