دبي , الإمارات العربية المتحدة ,  3 إكتوبر 2013  ، متفرقات , أخبار الآن – 

 هناك الكثير من المدن القديمة التي عرفها التاريخ؛ لكنها اختفت بسبب الزلالزل والبراكين أو بفعل موجات المد تسونامي.. هذه المدن يومًا بعد آخر يتم اكتشافها، إما عن طريق البعثات العلمية وإما بطريق الصدفة.

 تحتوي هذه المدن المغمورة في قاع المحيط على ثروات إنسانية وحضارية هائلة تستحق التوقف عندها والدراسة، ففي الهند اكتشف العلماء بقايا مدينة عظمى كانت موجودة منذ 9500 سنة حيث اختلط الخراب بالعظام وبالآثار العمرانية، ولم يكن قد عثر أصلاً في هذه المنطقة على ما هو أقدم من 5000 سنة، لذلك عند تم اكتشاف هذه المدينة الغارقة بدأ العلماء يعيدون حساباتهم وتقييمهم للتاريخ الحضاري في هذه البقعة الجغرافية، وقد أطلق عليها اسم مدينة الذهب.

 وفي تايلاند اكتشف تحت الماء معبد تايلاندي عمره أكثر من خمسمائة عام، يرقد في قاع بحيرة فاياو وما أثار الانتباه هو أن البحيرة أنشئت حول المعبد منذ نحو سبعين عامًا، وقد جرت عدة دراسات مؤخرًا تؤكد إمكانية رفع المعبد لمستوى سطح الأرض بكلفة باهظة، لكن لاقت هذه الفكرة الاعتراض بسبب ملايين الدولارات التي ستتكلفها كما أن المعبد يشكل حاليًا مصدرًا للأسماك التي تتوجب حمايتها كجزء من الثروة البيئية للبلاد، أما في اليابان فقد وجدت أهرام تحت قاع المحيط.

 ويواصل العلماء استكشافهم لحضارة المغليثية التي عثر عليها في قناة يوكاتان بالقرب من كوبا حيث وجد العلماء أدلة دامغة على بيئة حضارية واسعة تمتد لأميال على طول شاطئ المحيط. ويعتقد البعض أن الحضارة التي سكنت هذه المنطقة هي الأقدم على الإطلاق وتسبق جميع الثقافات الأميركية القديمة المكتشفة وحتى اللحظة وحدها مجسمات الكومبيوتر التخيلية هي ما قدمت رسمًا بيانيًا لما قد يكون عليه شكل هذه المدينة الغارقة.

 •    مدن عربية غارقة

 شارل أولبرايت عالم الآثار الأميركي قال: إن موقع مدينة “يرموتا” يقع في بيسان في فلسطين، لكن بيسان مدينة لا تقع على شاطئ البحر كما هو معروف، وأضاف: هناك في المدينة المكتشفة وجدنا الكثير من تماثيل الحيوانات وبقايا تماثيل لا تزال متجاورة بما يشير إلى أن الغرق تم دفعة واحدة وليس بالتدرج كما وجدنا أحجارا منحوتة يعلو بعضها بعضًا بشكل هرم مترابط بواسطه ثقوب في وسطها، وهي تقع على بعد 300 متر عن الشاطئ مقابل تل البراك وعلى عمق 5 أمتار، والعشرات من الحجارة ظهرت أنها منحوتة بيد الإنسان.

 د. زينب محروس رئيس قسم الآثار بجامعة القاهرة، أكدت أن أبرز المدن العربية التي وجدت تحت الماء مدينة الإسكندر الأكبر التي يُعتقد أنها غرقت نتيجة زلزال ضرب المنطقة، ويمكن مشاهدة هذه المدينة الغارقة قطعًا أثرية وتماثيل وأجزاء متعددة من قصر كليوباترا.. حيث قدم فريق من علماء الآثار البحرية بقيادة الفرنسي فرانك جوديو الحفر على هذه المدينة القديمة بعد اعتقاد المؤرخين أنها كانت مغمورة تحت الماء من قبل الزلازل وموجات المد والجزر قبل أكثر من 1600عام، وتم الكشف عن عدد من الحفريات وتشمل قطعاً من الجرانيت الأحمر وأعمدة من النقوش اليونانية، واثنين من التماثيل التي رفعت من الميناء، كان واحدا منها كاهن الإلهة إيزيس، والآخر للملك بطليموس الثاني عشر، كما أن الحكومة المصرية تعمل في المكان لإنشاء متحف تحت الماء، وتابع هناك أيضاً من المدن العربية مدنية يرموتا التي شغلت الأوساط العلمية والثقافية في لبنان بعد اكتشافها.

 ومن جانبه أوضح د. يوسف الحوراني (مكتشف أثري) قال: إن رحلة اكتشاف آثار لبنان الغارقة لا تنتهي وهي مكتشفات تعطي للبنان أبعادًا دولية وعالمية. كل المعطيات التاريخية والقرائن والوثائق التي وردت في التاريخ القديم جعلتنا نركز بحثنا حول موقع مدينة “يرموتا” لأن الكثير من العلماء من غير اللبنانيين حاولوا أن يصوروا أن موقع “يرموتا” يقع خارج لبنان.

 وقال محمد علي فكرون (عالم أثري): إن بعض الآثار والمدن الغارقة التي اكتشفت في ليبيا لا نستطيع أن نطلق على ما تم العثور عليه على السواحل الليبية مصطلح الآثار الغارقة إنما هي آثار مغمورة توجد في المناطق المتاخمة لمياه البحر، وما تم العثور عليه يتمثل في جزء من سفينة يرتقي تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد بالإضافة إلى بعض الأواني والقطع الفخارية، وأضاف: القيمة الحقيقية ليست في الاكتشاف في حد ذاته، وإنما في معرفة الظروف والفترة التاريخية التي صنعت فيها السفينة وما هي ماهيتها واستخداماتها، وقد توصلنا بقصد الفرنسيين إلى تحديد وظيفة السفينة حيث إنها كانت سفينة تجارية وتم تصنيعها بمدينة سوسة أي إنها محلية الصنع، والجزء الذي اكتشف يزيد عرضه عن سبعة أمتار وطوله أكثر من أربعة عشر مترًا تقريبًا.

 في حين أشار د. عباس شراقي (أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة)، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في العالم كشف عن البلدات المفقودة منذ زمن طويل، وتم إحياء بعض المدن بسبب الجفاف، فمثلاً عام 1970 كانت توجد قرية تسمى “ديترويت” تقع على بعد حوالي 350 كيلومترا جنوب غرب بوينس آيرس بالأرجنتين، عدد سكانها نحو خمسة آلاف، وفي عام 1985 انهار سد قريب وهبطت مياه الفيضانات في البلدة، وبحلول عام 1986 كانت المنطقة تحت أربعة أقدام من الماء، وبحلول عام 1993، كانت مياه الفيضانات في ارتفاع 32 قدماً، ولكن ابتداء من عام 2009 وتغير الطقس ومع حرارة الجو بدأت المياه تجف حتى ظهرت المدينة مرة أخرى في عام 2011.

 الأمر نفسه يتكرر ولكن على عصور طويلة مع المدن القديمة التي اندثرت تحت المياه، وأكد أن الجفاف الذي ضرب وسط غرب الولايات المتحدة الأميركية العام الماضي كشف عن أنقاض مدينة النصب التذكاري في ولاية إنديانا، وهي بلدة صغيرة تقع على بعد حوالي ساعتين إلى الشمال الشرقي من إنديانابوليس، وأيضاً في عام 2011 كشف الجفاف في تكساس عن العديد من القطع الأثرية من الماضي، مثل كنيسة قديمة تقع في بحيرة فالكون التي تتدفق بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك، وترجع إلى القرن 19 كما عادت أيضاً إلى الظهور بلدة شبح ميرتل بيتش بولاية تكساس، وبُنيت هذه البلدة لتكون مركزاً تجارياً في عام 1852، وقد أُحرقت من قِبل مجموعة غوغائية من رعاة البقر بعد 30 عاماً على إنشائها، وظهرت بناءات على هيئتها القديمة مثل فندق من طابقين، محطة تكساكو القديمة، ومتجر عام وعدة مواقع للدفن، مؤكداً أن علماء المناخ يتوقعون ظهور الكثير من المواقع الأثرية القديمة كلما امتد العالم وارتفعت درجات الحرارة.

 ومن المتوقع أن ترتفع درجة حرارة المحيطات والأرض كل عام نحو 2.3 متر ( 7.5 قدم) لكل درجة مئوية، وربما يظهر الجفاف الستار للكشف عن أطلال بوسطن وميامي ونيويورك في العصور القديمة.

 وأكد د. علي عبد المطلب (أستاذ بقسم الجيولوجيا كلية العلوم جامعة القاهرة)، أن هناك أكثر من 10 مدن قديمة ينتظر العالم اكتشافها تحت أعماق البحار، فهناك معبد شور بالهند إلى الأرقام البرونزية بخليج نابولي، حيث تناثرت مياه واسعة من هذا الكوكب مع بقايا مرصع الملح من الحضارات القديمة التي لم يرحمها البحر، ففي عام 2001، قام فريق من علماء الآثار بالتنقيب في بحيرة بالصين لعدة شهور، إلى أن اكتشفوا مجموعة واسعة من المباني تحت الماء في قاع البحيرة، بعد أن ادعى السكان المحليون في كثير من الأحيان بأنهم يرون آثاراً تحت المياه في يوم هادئ بدون أمواج، حيث وجد علماء الآثار أنقاض مدينة بأكملها منتشرة على 6.5 كيلومتر مربع ( 2.5 ميل مربع)، وأرجعوا أن تكون المدينة العملاقة قد ذهبت تحت البحر من 1700 عام، ويعتقد أن جزءاً كاملا من المدينة انزلق إلى البحيرة، مؤكداً أن الاكتشافات لم تتوقف عن هذه المدينة فحسب بل امتدت أيضاً ليتم الكشف عن بحر وادن وهو مجموعة كبيرة من المياه الذي يمتد على طول الحدود شمال غرب ألمانيا، وهناك شريط ضيق من الجزر تسمى جزر الفريزية الشمالية التي تتآكل بعيداً عن المد التي تضرب الساحل الألماني،

 ويعتقد أن هذه الجزر بنيت منذ 1300 ثم بنيت مرة أخرى.. ومرة أخرى.. ومرة أخرى، نظراً لموقعها المتميز من بحر الشمال، لكن هذا البحر لم يسعف الأمم السابقة من تدمير الجزر بشكل دوري في يوم الفيضانات، ووفقاً للحسابات الألمانية فإن بقايا بحر وادن لا تزال غير مكتشفة منذ مئات السنين، ويرجحون أن يتم الكشف عنها في وقت لاحق عند انخفاض المد.

 ويرى د. عبد الحليم نور رئيس المجلس الأعلى للآثار الأسبق، أن الجغرافيا القديمة أكبر بكثير من نظيراتها في الوقت الحاضر، ويرجع ذلك إلى تآكل البحار وتزايد الزلزال، وانخفاض أجزاء من الجزر في البحر، ومع مرور السنوات أصبحت المدن والهياكل القديمة القريبة من البحر معرضة للانزلاق داخل البحور والمحيطات، مؤكداً أن علماء اليونان اكتشفوا مؤخراً مدينة “اليوس” التي كانت في السابق مدينة مزدهرة من حيث الصناعة والتجارة والهندسة المعمارية، لكنها توارت مع غيرها من المدن اليونانية في ذلك الوقت، وأحد أسباب انهيار المدينة أنها بنيت على الشاطئ الرملي بالحجر الجيري، ومع ذلك بقيت اليوس يمكن الوصول إليها بسهولة من قبل الغواصين والسباحين في خليج بوروس، ويعد سور المدينة القديمة أبرز آثارها في القوت الحالي ولا يزال مرتفعاً فوق خط المياه عند الجزر.

 وتابع، توجد أيضاً أسطورة أمير ويلز الذي بنى القصر الكبير في شمال ويلز خلال القرن السادس، ووفقا للقصص التاريخية، فقد امتدت مملكته في جميع أنحاء المنطقة التي هي الآن كونوي باي، وبعد أن تم بناء القصر ضربت عاصفة وفيضان البحر في المنطقة غمر القصر وكل شيء حوله، وهناك أيضاً أثار الحرب البيلوبونيسية التي جرت في القرن الخامس قبل الميلاد بين أثينا وجيوش مختلفة من البيلوبونيز، الذين أطلقوا على أنفسهم جامعة البيلوبونيسية، الحرب استمرت ما يقرب من 30 عاماً، وقرب نهاية القرن الخامس الميلادي اهتزت منطقة على طول الساحل الغربي لليونان بزلزال قوي، أغرق مدينة فيا على عمق خمسة أمتار (16 قدماً) تحت سطح البحر الأبيض المتوسط.

 وقد فقدت المدينة حتى عام 1911، عندما عثر فريق التنقيب على بعض آثار الحرب الواقعة هناك، مثل القلاع العسكرية ومعدات المحارب من حرابات ورماح وأقواس وغيرها، وعلى الرغم من الاهتمام العالمي لأنقاض فيا، إلا أن علماء الآثار يغيب عنهم الكثير لمعرفة هذا الجزء المهم من التاريخ.

 وفي السياق ذاته أوضح د. عصام السعيد (أستاذ الآثار بكلية الآداب جامعة الإسكندرية)، أن اكتشافات المدن القدمة لن تتوقف طالما ظل علماء الآثار يبحثون عن التاريخ القديم والمدن المنهارة والغارقة تحت أعماق المحيطات سواء العربية والأجنبية، فمؤخراً تم اكتشاف مدينة عتيل بكانت عبارة عن جزر يسكنها البدو في جميع أنحاء المناطق الجبلية في جنوب شرق آسيا خلال القرن الثامن الميلادي، وبعد الحرب أنشاؤا مدينة صغيرة من عتيل عاصمة لإمبراطوريتهم، وأصبحت عتيل نقطة توقف رئيسية على طول طريق الحرير، ويرجع ذلك جزئياً إلى طرق التجارة التي تمر من خلال ذلك، وخلق عتيل شيئاً من بوتقة ثقافية وأصبح الوطن المشترك للمسيحيين واليهود والمسلمين في التاريخ القديم، ولكن في وقت ما لم يتبقَ من المدينة سوى أنقاض لأكثر من ألف عام، بسبب موقعها من بحر قزوين، وكان يعتقد أن بقايا المدينة جرفت بعيداً، لكن في عام 2008 اكتشفت بعض العلماء الروس بقايا أطلال المدينة على طول الجزء الشمالي من بحر قزوين.

 وتابع، في بعض الأحيان يتم سحب بلدة ببطء في البحر قبل أن تتآكل من المد والجزر، حفاظاً عليها من السقوط بأكملها في المحيط دون أن تترك أثراً، كان هو الحال مع جزيرة ستراند التي تقع في بحر الشمال، التي تم تدميرها من قبل مد العاصفة قبل نحو 1600 عام، ولم يعد حولها أي أثر باستثناء عدد قليل من الجزر الصغيرة المجزأة.

 موضحاً أن في ذروة انتشار الإمبراطورية اليونانية وضعت أصابعها على طول الحافة الشمالية للبحر الأسود وأسست أكثر من اثنتي عشرة مدينة على حدود رومانيا، بلغاريا، أوكرانيا، ومن هذه المدينة واحدة تسمى فاناغوريا وتقع على شبه جزيرة تامان، ووفقاً للتاريخ، تعرضت للغزو في القرن الأول قبل الميلاد، ووقفت الإمبراطورية الرومانية مع الإمبراطورية اليونانية لطرد الملك الغازي واستمرت الحرب أكثر من 25 عاماً.

 وفي عام 2011 تم الكشف تحت الماء عن المدينة المدمرة واكتشف العلماء مقبرة واسعة بها الآلاف من التوابيت في مدينة فاناغوريا من القتلى، مؤكداً أن معظم الحضارات والمدن القديمة اندثرت تحت الماء بسبب عوامل المد والعواصف لكن مع التقدم التكنولوجي واستمرار الباحثين في مسعاهم للتنقيب عن الحضارات القديمة سيتم اكتشاف المزيد من المدن القديمة الغارقة.